«كانوا أعز من الملوك مهابة» هذا ما عبر به أمير الشعراء عن الأزهر الشريف وعلمائه الكرام.. ولعل الوسطية والاعتدال وقبول التعددية المذهبية والفكرية وعدم الصدام مع أهل الأديان أو المذاهب الأخرى أو الحكومات المتعاقبة هو ما ميز الأزهر عبر تاريخه، وأعتقد أن هذه الخلطة كلها كانت سببا فى خلوده وبقائه لأكثر من ألف عام.. فى حين أن كثيرا من الحركات الدينية الأخرى تحللت وذابت ولم يبق منها شىء فى سنوات قليلة، لأنها لم تتمتع بهذه الصفات، كذلك تمتع الأزهر بانفتاحه المعرفى والفكرى، وقد انطبع ذلك على شيوخه وعلمائه، فشيخ الأزهر الشرقاوى رائد من رواد المدائح النبوية.
أما حسن العطار فكان صاحب شاعرية عذبة، ويعد من أرق وأجمل شعراء الأزهر، أما حسونة النواوى فكان محاضراً فذاً وخطيباً بارعا، أما المراغى فقد تميز بمواقفه القوية العظيمة وشجاعته النادرة وقد تميز الشيخ الظواهرى بكرمه وسخائه اللا محدود وعرف الشيخ الخضر حسين بكثرة مؤلفاته وإصداراته العميقة وتميز مصطفى عبدالرازق بانفتاحه الثقافى وكان يجيد عدة لغات، أما عبدالرحمن تاج فقد كان عالماً لغوياً مرموقاً فقد كان عضواً بمجمع اللغة العربية وتميز محمود شلتوت بموسوعيته الفقهية وتسامحه الفقهى مع المذاهب الإسلامية كلها وعرف الفحام بأريحيته وتواضعه، أما عبدالحليم محمود فعرف بزهده وشفافيته وتواضعه.. أما بيصار فبعقليته الفلسفية المتفردة.. وتميز جاد الحق بأنفته وهيبته وزهده فى الدنيا.. فقد عاش طوال حياته فى شقة بسيطة رفض أن يغادرها وتألق الشيخ طنطاوى فى التفسير وعلوم القرآن حتى طبع تفسيره 12 طبعة حتى الآن.. أما د. أحمد الطيب فهو نسيج متفرد فى الحلم والعفو والأخلاق الرفيعة فهو أول شيخ فى تاريخ الأزهر لا يتقاضى مرتبا على الإطلاق ولا يقبل أى هدايا من أحد مهما غلت.
وقد نشأ د. أحمد الطيب فى بيت علم وزهد وكرم وجود، فوالده وجده كانا من العلماء والزهاد.. فساحة ومضيفة والده كانت دوما ومازالت تعج بذوى الحاجات وطلاب العلم والفقه وعابرى السبيل وكان د. أحمد الطيب لا يفعل شيئا إلا بعد استئذان والده فلما جاءته البعثة إلى السوربون لم يبت فى أمرها حتى يستأذنه فقال له والده: أمهلنى حتى الصباح فرأى رؤيا طيبة، فأذن له فى السفر، وعندما اختير مفتيا لمصر استأذن والده فقال له: يا بنى ولن تمكث فيها إلا عاما واحدا فقد رأيت رؤيا بذلك وبعد وفاة والده أصبح يستأذن شقيقه الأكبر محمد الطيب ويقبل يده مكانه، ويتشابه د. أحمد الطيب مع د. عبدالحليم محمود فى أمور كثيرة جدا، منها الزهد والحلم وأخذ النفس بالعزومات والإعراض عن الدنيا والتصوف الشديد والدراسة فى السوربون وعدم التطلع إلى الشهرة والإعلام، كما أن د. عبدالحليم محمود أثر كثيراً فى أستاذه فى السوربون المستشرق اليهودى رينيه جينو والذى أسلم على يديه، كما أن الأسرة اليهودية التى عاش معها د. أحمد الطيب فى فرنسا أسلمت كذلك من أخلاق وحلم وعفة د. أحمد الطيب فقد رأوا فيه نموذجاً للإسلام الحق، ود. الطيب هو أول شيخ للأزهر لا يتقاضى أى مرتب رغم بساطة حاله، ورغم أن مرتبه يعادل درجة نائب رئيس وزراء ولا يتقاضى أيضاً أى بدلات، فقد رفض أن يتقاضى أى مرتب وتوابعه حسبة لله، وحتى يكون عمله خالصاً لوجهه، وفى أول يوم لدخوله المشيخة أغلق على نفسه بابا كان يدر على سلفه عدة ملايين من الجنيهات كل شهر، وهو عقد قران أولاد وأحفاد كبار القوم وأثريائهم على يد شيخ الأزهر فى المشيخة، واعتبر أن هذه المسألة لا تليق بمكانة شيخ الأزهر.
لقد بلغ د. الطيب من الحلم والعفو والصفح مبلغا، فقد شتمه من شباب الإخوان وحلفائهم فى كل محفل بأفظع الشتائم حتى ملأوا جدران جامعته بها فلم يلوث لسانه بكلمة فاحشة ردا عليهم ولم ينل أى إنسان بسوء ترفعا عن الشتائم والبذاءات.. وشتمه إعلاميون وتطاول عليه صحفيون وكلهم لا يستطيعون أن ينطقوا بكلمة تجاه «فراش فى كنيس يهودى».. ولكن الشيخ، وهو قادر على إلجامهم، لم يرد عليهم بكلمة أو يفكر فى الإساءة إليهم أو حتى شكواهم إلى أحد.. فقد عاهد ربه على الحلم وعلى عفة اللسان، لقد رفض الشيخ كل هدايا الملوك حتى أن أحد الملوك أهداه شيكاً بـ400 ألف دينار فرفض بإصرار، وانتهى الأمر بالاتفاق على إنشاء كلية أزهرية بهذا المبلغ دون أن يستلمه الشيخ مباشرة، وذلك تأدبا مع الملك ورغبة فى عدم إغضابه وهناك عشرات القصص مثل هذه.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة