قام بعض ناشطى شبكات التواصل الاجتماعى بتداول خبر كاذب عن موت محمود الغندور، المعروف داعشيا بأبى دجانة.
والحقيقة إننى لا أعلم لماذا اختار أبا دجانة اسما له بديلا عن اسمه الحقيقى «محمود»؟ ما له اسم محمود؟ حرام فى إيه؟
الخبر كان يقول بإن محمود الغندور ارتدى حزاما ناسفا وفجر نفسه بمنطقة فى الرمادى أغلب سكانها من الشيعة. ثم انطلق ما يعرف بـ«هاشتاج» على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر» نصه #استشهاد-محمود-الغندور! بالطبع لا أعلم من الذى روج للشائعة، ولا من الذى أطلق الهاشتاج، لكننى دخلت على الصفحة لأجد كميات مهولة من التعليقات تصف الشخص بإنه شهيد، وبطل، وبأمنيات وأدعية أن يلحق المعلقين به. أصحاب التعليقات شباب عادى، يمكن أن تقابلهم فى حياتك اليومية، وتتعامل معهم، وتستلطفهم، وتحبهم، ومن المعلقين من قال إنه ضد داعش تماما لكنه سعد بقتل 30 رافضيا! ملحوظة لتوضيح الواضح: القتلى هم مواطنون من أهل العراق، بينما «الشهيد» المزعوم، غريب دخيل على البلاد، قطع، بزعمهم، طريق سفر كى يقتل سكان البلاد، ولا أعلم كيف «يحرر» الغريب وطنا من مواطنيه؟
حكى لى أحدهم عن شخص يعمل كفنى تكييفات، لطيف، مهذب، ودود، وعند مناقشته انتقد داعش انتقادا مرا قائلا بإن داعش تعجلت ما تقوم به، وإن ما تقوم به الآن هو المرحلة الثالثة لتأسيس الخلافة! بالرغم من إن حساب «رعد الشيشانى» أكد على كذب خبر موت محمود الغندور وقال إن أبا دجانة بخير هو وأبو سلمة بن يكن، اللى هو إسلام يكن عادى يعنى، إلا أن التعليقات ظلت تتدفق، مؤكدين على نبل ما زُعم إنه قام به، بل ومتهمين أمثالى من الغوغاء والدهماء بالجهل بدينهم، والجهل بالتاريخ، والجغرافيا، والسياسة الدولية، لإننى علقت متسائلة عمن الذى خرب عقول كل هؤلاء الذى بلغوا المئات، إذ يرون إن إثكال أمهاتهم وأمهات أبرياء آمنين فى بلادهم هو عمل بطولى يرضى الله والرسول.
نوه أحد المعلقين إلى أن الهاشتاج قد يكون مصيدة من «الأمن الوطنى» للتفتيش فى نوايا بعض الشباب ورصدهم، وقد يكون تخمينه صحيحا. لكن ماذا ينوى أن يفعل الأمن الوطنى بالمئات من شباب المعلقين الذين قد يصل تعدادهم الحقيقى إلى الآلاف وربما مئات الآلاف؟ هل سيقبض عليهم جميعا، ويكسر رؤوسهم، ويعذبهم، وينتهكهم، ويملأهم مرارة فوق مرارتهم، حتى يخرجوا ليخططوا للانتقام من الضباط الذين عذبوهم، فيقتل المزيد من الضباط، ونرى المزيد من الجنازات العسكرية، والمزيد من الشرائط السوداء على شاشات التلفاز، والمزيد من الأطفال الباكين، سواء على آبائهم الذين قتلتهم الشرطة، أو آبائهم من الشرطة الذين قتلهم الإرهابيون؟ هل هذا هو الحل الذى تواجه به الدولة المصرية خراب آلاف من العقول والنفوس تم حياكته على مدى عشرات السنين؟ لو إنك دخلت مناقشة مع أحد الشباب الذى كان يرثى أبا دجانة الذى لم يمت، ربما انتابك الغضب من منطقه المعوج، وعدوانيته، وادعائه العلم، وامتلاك الحقيقة المطلقة، لكنه فى نهاية الأمر ضحية. هو ضحية «مشايخ الفتة» الذين قضوا عشرات السنين يبثون سمومهم فى عقول الشباب عبر شرائط الكاسيت أولا، وعبر الفضائيات مع أول ظهورها. جمع مشايخ الفتة ما لا يحصى من المال. وتسببوا فى قتل وتعذيب مالا يحصى من الأبرياء. فإن كانت الدولة تظن أن الحل الأمنى هو حلها الناجع، فعليها أن تستعد لدائرة دم لا تنتهى. وإلى مزيد من تشبث هؤلاء الشباب برأيهم، بل وتجنيد المزيد لصالحهم، فالظلم يخلق إنسانا حاقدا، مملوءً بالغل، تعميه الرغبة فى الانتقام. أما إن كانت ترغب الدولة فى علاج ناجع، فعليها أن تصلح بالحوار والفكر ما أفسدته هى طوال السنوات الماضية. ويجب ألا ننسى أن جل مشايخ المسؤولين عن فتاوى القتل كان ينسق عمله مع جهاز الأمن الوطنى، أمن الدولة سابقا. أفسدتم الشباب، وحين انفجروا فى وجوهكم عذبتموهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة