أشاهد المسرحيات التى يخرجها الفنان الكبير محسن حلمى منذ ثلاثين عاما، وأعرف كل مرة أنه يجهز مفاجأة لعشاق المسرح، حوصر محسن فى السنوات التى سبقت ثورة يناير لأنه فنان ولأنه يعبر عن الوجدان المسرحى النقى الذى أسس له أساتذته الكبار، ولأن وزارة الثقافة اعتبرت هذا الفن العظيم عبئا يجب التخلص منه، لم تعد هناك مسارح، توجه كتاب المسرح وممثلوه إلى الدراما التليفزيونية، وتم تجفيف منابع الإبداع لكى «تستفرد» النخبة الاقتصادية بقنوات تجريف الذاكرة، لم يقدم محسن حلمى غير أعمال قليلة فى تلك السنوات، لأنه يشارك فى مظاهرات كفاية وأدباء وفنانين من أجل التغيير، ولأنه يوقع على البيانات التى تنتصر للحرية وتقف ضد الاستبداد والتطبيع مع إسرائيل.
فى الأيام الفائتة بدأ عرض من إخراجه فى مسرح الهناجر، ويعمل على أوبريت ليلة من ألف ليلة فى المسرح القومى بطولة الفنانين الكبيرين يحيى الفخرانى ولطفى لبيب والصوت الرائق محمد محسن ومجموعة رائعة من الوجوه الجديدة، وهو العرض الذى سبق وأن قدمه منذ سنوات بعيدة على مسرح الجمهورية ولن ينساه عشاق المسرح، وكان صوتا على الحجار وأنغام يظللان سماء العرض بغلالة من الصفاء نادرا ما تتحقق.
شاهدت أمس الأول عرض «بارانويا» فى الهناجر، وهو مونودراما من تأليف رشا فلتس التى تكتب لأول مرة للمسرح، وبطولة ريم حجاب، نجح محسن حلمى خلال ساعة واحدة فى تجسيد معاناة المرأة المصرية بدون هتافات، عمل مع بطلته الموهوبة على تشخيص القهر النفسى الذى يدفع إلى جنون الارتياب، الذى يجعل المصاب به يؤمن إيمانا وثيقا بتعرضه للاضطهاد أو الملاحقة، حيث الشك فى كل الناس وتوقع الإيذاء من الآخرين، ريم ابنة أستاذى وصديقى سيد حجاب التى أعرفها منذ طفولتها، وضعتنا أمام الكوابيس دفعة واحدة، بمفردها وبحضورها الفذ ولياقتها الروحية والبدنية ملأت المسرح بالهواجس والأحلام المجهضة، كأنها تصرخ فى وجه الظلم والفساد والجشع، العرض أعلن ميلاد فنانة عظيمة.. اسمها ريم حجاب.