لا يمر يوم تقريبا دون أن نقرأ كلاما ونسمع تصريحات عن «تجديد الخطاب الدينى»، فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، يدلو بدلوه فى الموضوع، ويلتقى مثقفين ومفكرين للتباحث بشأنه، ووزير الأوقاف ينظم المؤتمرات، ويتحدث المسؤولون والأحزاب بحماس بالغ حول الموضوع.
كل هذا الحماس والانشغال فى قضية لا خلاف على أهميتها، لكن الخوف أن تتحول إلى «موضة إعلامية»، يفتح فيها الإعلام المجال أمام الجميع ليدلو بدلوه، فننام ونصحو على حكايات وآراء تقال حول الموضوع دون تقدم حقيقى فيه.
كما ذكرت سابقا، فإن الحديث عن تجديد الخطاب الدينى لا ينفصل بأى حال من الأحوال عن باقى الملفات، فتخلف الخطاب الدينى هو حصيلة تخلف سياسى واجتماعى واقتصادى، هو حصيلة تدهور فى كل المجالات وتلك بديهية لو تم تجاهلها سنبقى فى حالة دوران فى حلقة مفرغة، فهل يمكن أن يكون هناك خطاب دينى متقدم دون أن يكون هناك مثلا تعليم متقدم؟ وهل يمكن أن يكون هناك خطاب دينى متقدم والإنسان المصرى يصحو وينام على هموم تتعلق بتلبية احتياجاته المعيشية فى المأكل والملبس والمسكن، وفى احتياجاته الصحية والخدمية؟
الخطاب الدينى السليم والعاقل يأتى فى بيئة ديمقراطية صحيحة، أو بالتدقيق هو حصيلة طبيعية للبيئة الديمقراطية، أما الاستبداد فى كل وقت وزمان، فهو يولد التطرف فى كل شىء، يولد التطرف فى الدين والسياسة، يولد انحلالا قيميا وهذا جانب من جوانب التطرف بطريقة أخرى، يولد إنسانا سلبيا يدير ظهره لمشاكل مجتمعه، وهذا أيضا نوع من التطرف بطريقة أخرى.
الخطاب الدينى السليم يأتى طبيعيا مع العدل الاجتماعى القائم على توزيع عادل للثروة، ويأتى مع شعور الفقراء بأن لهم حق فى الثروة والحياة، وسياسات تحارب الفساد بحق وحقيقى، وتضمن أن الكل أمام القانون سواء، وتضمن أن الكفاءة هى المعيار الأساسى فى ترجيح كفة شخص على شخص وليس الواسطة والمحسوبية، سياسات لا تعنى أن الفهلوة هى السبيل الضامن لبقاء من يتقنون اللعب بها.
تجديد الخطاب الدينى يأتى تلقائيا مع كل هذا، لأنه قضية شاملة تتشكل من الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والخوض فى أى جدل بعيد عن هذا يعنى مضيعة للوقت، وتناولا للمشكلة دون التعرض لصلبها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة