أولا: لن تنجح «ديوانيات» تجديد الخطاب الدينى، إلا إذا توقفت الحرب الباردة بين «الإمام الأكبر» و«وزير الأوقاف»، فكلاهما فرس رهان فى الحرب ضد التطرف والإرهاب، وما أدراك حين يختلف شيخان وخلف كل منهما أنصار وأتباع ومريدون، وأسلحتهم قال الله وقال الرسول، فتضيع مصلحة الأمة ويتبدد الوفاق والإجماع، ولدينا فى التاريخ القريب والبعيد دروس وحكم تكشف حجم الخسائر التى تنجم عن الصراع، فالإخوان وراءنا والمهرتلون أمامنا، والسلفيون فى كل مكان كالماء والهواء، بينما «رأسا حربة» انصرفا فى معركة جانبية فى حارة الفتنة.
ثانيا: ستظل ديوانيات تجديد الخطاب الدينى «رغى فى رغى»، إذا لم يُكبح جماحها بجدول أعمال مدروس، يحدد القضايا المطلوب مناقشتها، ولنبدأ- مثلا- بالجهاد فى الإسلام والاستشهاد ودخول الجنة والنار والحور العين، وغيرها من الأفكار الظلامية التى تُستخدم فى تجنيد الشباب ودفعهم إلى التهلكة، وأن تكون الأطر على أرض الواقع وليس بالمواعظ والغيبيات والطيران فوق السحاب، أما أن ينصرف الوقت والمناقشات فى الجدل السقيم واستعراض عضلات الأفكار المتخلفة واللحلقة فى كانيرات الفضائيات، وتناطح التنافس والرغبة فى اعتلاء الشهرة والأضواء، فلا فائدة ولا رجاء و«للخلف دُر».
ثالثا: لن تنجح جهود تجديد الخطاب الدينى، إلا إذا تم ترسيم الحدود بين الدين والسياسة، ووقف عمليات توظيف الدين لحصد المغانم السياسية، وليكن لنا فى تجارب الإخوان المريرة عبرة وعظة، والشواهد تؤكد أن المجتمع الذى لُدغ من جحر الإخوان يهيئ نفسه لـ«لدغة قبر» أشد من السلفيين، ويفتح أحضانه للقائمة الموحدة ودخول البرلمان وشغل مقاعدهم «وكأنك يا أبوزيد ما غزيت» حين تستبدل بالكتاتنى برهامى، وكأن دروس التاريخ بالنسبة لنا مجرد شاهد زور.
وأخيرا: تجديد الخطاب الدينى ليس عربة يتنافس «الإمام» و«الوزير» على الجلوس على مقعد قيادتها، لكنها مهمة ثقيلة تقتضى التجرد وإنكار الذات والجرأة والشجاعة، وقبل كل ذلك الرغبة والقدرة على دخول أعشاش المنتفعين بالدين، لأن التجديد يجردهم من كنوز الدنيا وتوكيلات الآخرة.