لا تندهش عندما تسمع المنافق يعطيك درسا فى الجرأة والشفافية أو يحدثك الانتهازى عن الوطنية والتجرد والمهنية والموضوعية، ولا تستغرب عندما يهاجم المتحول المتحولين والمتلون المتلونين والأفاق الأفاقين والكذاب الكذابين، إنها نظرية قديمة جدا صاغها فيلسوف شهير هو مؤسس نظرية الحقارة والتدنى اسمه ميكافيللى فى كتابه الأشهر الأمير، هذا الكتاب يظل المرجعية الأهم فى تفسير سلوك بعض الإعلاميين والسياسيين وأصحاب المناصب والثروة، ومنه خرجت نظريات ومدارس فرعية مثل مدرسة جوبلز فى الإعلام، اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس وقبلها صدق كذبتك ودافع عنها لآخر رمق، أليس هذا ما يحدث بيننا اليوم، البعض كذب وكذب وكذب حتى تصور أن كذبه هو الصدق ويتبختر بكذبه ويتفاخر ثم هو يلعن الكذابين تماما، وفى علم النفس يمارس الأفاقون لعبة الإبدال ويلبسون ماسكات الفضيلة ويتحدثون كثيرا عنها أمام الآخرين ليتخلصوا من بقايا وخز ضمير يتهاوى، وفى مسرحية البهلوان للكاتب العبقرى يوسف إدريس البطل صحفى يمارس الكذب نهارا ويمسح قلمه فى حذاء الحاكم والسلطة ويجمل الفاسدين ويعاقرهم ولأنه يعلم أنه أول الكاذبين ويرى وجهه القبيح أمام المرايا فلا ينام، لذلك يذهب للعمل بلياتشو فى السيرك كل ليلة.
المسرحية كانت تعبر عن الإعلاميين مشعلى المباخر ومتلونى كل عصر، هذه النماذج التى حولت الإعلام لماخور تخرج اليوم لتتكلم عن الوطن والمتحولين فى الإعلام، وهم يقبضون ملايينها من المال الحرام الذى غرفه أسيادهم من منظومة فساد مبارك ولا يزالون يغرفون لأن المنظومة لم تسقط، بل زادوا عتوا وفجورا ويتفاخرون أنهم قريبون جدا من السيسى ورجاله، الآن يتحدث البعض عن فساد الإعلام وهم يعملون فى مطبخ الإعلام، وكأن الفساد والإفساد هبط علينا من السماء وليس بأيدينا، وبنظرة سريعة لما تم عرضه على الشاشات الأيام الماضية ستجد أن التردى والانهيار المهنى وصل لذروته، مثلا فى ليلة واحدة تستعرض مذيعه تفاصيل مقرفة ومقززة لفتاتين شاذتين ويستضيف مذيع شهير فى نفس التوقيت تقريبا فتاة تفتخر بعلاقتها الجنسية مع صديقتها، وفى اليوم التالى تعرض قناة تفاصيل شابين متحولين جنسيا، والتحول هنا لا علاقة له بالتحول السياسى أو ربما ثمة علاقة، ثم بعد ساعات تنفجر تصريحات إيناس الدغيدى عن الجنس قبل الزواج ثم بعد ساعات قصة سيدة المطار مسلسلة فى حلقات، ونرى مباراة ومنافسة فى عرض فيديوهات حصرية لها، هل يقول لى أحدكم أين هو الإعلام؟ هل اهتم أحد بافتتاح مدينة الأثاث فى دمياط؟ هل اهتم أحد بموت أسرة أمام مستشفى الحسين الجامعى؟ هل اهتم أحد بطرد مريض من قصر العينى بسبب جهاز تنفس أو موت 18 مريضا زرع لهم طبيب شهير كبدا بما يخالف كل
الأعراف والقانون ورفض المثول أمام لجنة تحقيق من وزارة الصحة؟ هل اهتم أحد بالمصانع المغلقة فى 6 أكتوبر؟ هل سأل أحد البنك المركزى لماذا يكدس الودائع فى البنوك ولا يخرجها للاستثمار والمشاريع الصغيرة والقضاء على البطالة؟ هل يهتم أحد ويسأل لماذا يزداد الإلحاد والانتحار بين الشباب؟ ولماذا يشعر المواطن أن السيسى يعمل بمفرده وأن أحلامه فى واد والحكومة فى واد وأن الفساد غول لا تقدر عليه كل أجهزة الدولة؟ ما يحدث فى الإعلام كارثة، نكرر كل يوم حتى الملل أنه كعب أخيل ونقطة ضعف الدولة، وما دام الإعلام الرسمى غائبا والإعلام الخاص تتحكم فيه الإعلانات والمسخرة المسماة
«انترتينمنت» قولوا على مصر يارحمن يارحمن، وانتظروا مسلسلات فلانة التى أخذت عشرين مليون جنيه والأخرى التى حصلت زيادة عنها اتنين مليون ونحن شعب أربعون فى المئة منه تحت خط الفقر وإعلامنا يجرى وراء الشواذ جنسيا والعلاقات المثلية والجنس قبل الزواج وياسمين والدغيدى وأمه نعيمة نعمين، منكم لله.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة