تطهير العقول المتطرفة أصعب بكثير جدا من قطع أيدى الإرهابيين التى تقتل وتزرع القنابل والمتفجرات، فالأيدى يحركها فكر وعقيدة أغلى من حياتهم التى يقامرون بها ويضعونها على كف عفريت، وهناك «إرهابيون بالورطة» مثل المجرم الذى يرتكب جريمته الأولى صدفة وعن غير قصد، فيصبح محترفا وتموت بداخله النوازع الإنسانية والأخلاقية والضمير، وفى الحالتين مسؤولية المجتمع هى تحصين الشباب المؤهلين للانضمام للفكر الإرهابى، جنبا إلى جنب، بتر الذين تورطوا بالفعل.
الأجيال الشابة المطلوب إنقاذها فى مصر مُحاصرة بتلال من المشاكل التى تصعد بها إلى الهاوية، وتقدم لهم جماعات التطرف حلولاً سحرية لاجتذابهم وتأهيلهم، فاليائس من الحياة يجد «شيخًا» يقايضه الآخرة بالدنيا ويفرش له الطريق إلى الجنة، والبلطجى يمكن أن يصبح مقاتلا فى صفوف المجاهدين، والذى يعجز عن ثمن روشتة يتلقفه المعالجون بالرقية الشرعية والآيات القرآنية، ومن لا يجد عملا أوجد له الشياطين عملاً بمكافآت سخية، فى زرع القنابل والمتفحرات والخروج فى المظاهرات الليلية..وهكذا هم يقدمون حلولاً تدميرية سهلة، والمجتمع إما عاجز وإما غافل وإما لا يدرك أن مستصغر الشرر لا يزال تحت الرماد.
أشعر بانزعاج شديد كلما زاد انتشار رجال الدين فوق سطح المجتمع، لأنها مؤشرات تؤكد أن البلد فى أزمة، يحاول اجتيازها بتوظيفهم فى إدارتها، فتكون النتيجة علاج الخطأ بخطأ أكبر، وهو ما نرى أعراضه الآن فى انتشار التدين الشكلى على حساب التدين الحقيقى.
مقاومة الإرهاب تبدأ من هنا، بإيقاظ العقول وتطهيرها من الأفكار الملغمة، التى هى أكثر خطورة من الديناميت وقنابل المسامير.. وإنقاذ المؤهلين للإرهاب لا يقل أهمية عن ضرب أوكار الإرهاب، وظروفنا الراهنة تتطلب خطابا دينيا وقائيا وليس الوعظ والترهيب والترغيب، وفوق كل ذلك، ياليت الدولة تبحث عن خطة «استعادة الأمل للشباب»، فالذى يعمل وله دخل ويعيش، لن يفكر فى تصنيع قنبلة تنفجر فيه وتحوله أشلاء، والذى له زوجة فى الدنيا لن يقدم على الاستشهاد الكاذب، من أجل الحور العين التى يعده بها صناع الإرهاب فى الآخرة.. والحديث لم ينته