نحمل فى مكان ما من القلب ملاعب طفولتنا، وحين تضيق الدنيا نذهب إليها لنتأكد أنها فى مكانها، نشعر بالأسى كلما تقدمنا فى العمر، ولكننا لا نفرط فى إحساسنا القديم بها، وهذه الرسالة «غير الفئوية» التى أرسل لى بها صديقى شاعر العامية الموهوب سعيد شحاته تستحق أن تقرأ، وأن يهتم المسؤولون بها:
البرلس مدد الروح وفاكهة القلب ووردة حديقة العمر.. بحيرة البرلس مكان يختزل فن العالم بين شاطئيه ويترجمه محبة للعاشقين وكرامة للطيبين وفخرًا وعزة لأصحاب العزة والكرامة.. اتفقت مع الروائى سمير المنزلاوى على زيارة البحيرة وحضر الاتفاق حامد «طفلى الصغير» فتهلل وجهه فرحًا، لم ينم حامد ليلتها، وظل يسألنى عنها وعن جديّه: هو أنا هأركب مراكب سيدى حامد وسيدى فهمى يا بابا.. لا يا حبيبى.. بس هتشوف المكان اللى عاشوا وماتوا فيه وبيه وعشانه، حامد تحمّس أكثر.
ذهبنا، فوجئ الصغير بالحالة السيئة التى وصل إليها المكان، سألنى: فين البحيرة يا بابا؟ فأجبته: أمامك.. فقال يا بابا والفلاحين زرعوها كده ليه؟ ورد النيل يغطيها من كل اتجاه، وجفاف يحاصر شواطئها، ويأس مخيف يغلف المكان.. حامد يسأل، وأبى وعمّى يطوفان بقلب حزين، الحزن يخيم على كل شىء، المتربصون يحتلون الأماكن التى أصابها الجفاف ليحولوها من مياه ومراكب وصيد إلى حقول برسيم.. ذهبنا لرؤية الشفّاط الذى جاءوا به لتطهيرها، فوجدناه صغيرًا والمساحة واسعة، وأخبرنا أحد العاملين أنه جاء لتطهير 500 متر فقط، تساءلت: هل ماتت البحيرة؟ هل سيتم تجفيفها وتوزيعها على أهل الحظوة كما حدث من قبل؟ هل سنتخلى عن هذا المكان إلى أن يقتله الإهمال؟، هل سنستسلم لحقول البرسيم ومحاريث الفلاحين وجرارات الأسمدة وروث البهائم؟، بحيرة البرلس أمانة فى أعناق كل أصحاب الضمائر.. أنقِذوا الأمل المتبقى لأناس لا يجيدون غير الصيد.. أنقِذوا هذا الجمال من يد الجهل والتخلف والطمع والجشع.. البحيرة تحتاج إلى أكثر من شفاط لتطهيرها.. الحقوها قبل أن تضيع نهائيا.