كمال حبيب

بيان نداء الكنانة.. قراءة فى المعنى والدلالات «1-3»

الإثنين، 01 يونيو 2015 11:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يمثل بيان نداء الكنانة تحولا فى موقف علماء أهل السنة من الحكام المسلمين، فما استقر عليه الفقه السياسى الإسلامى السنى بعد مواجهات دامية ومعروفة بين الخارجين على تلك النظم وبين الدول من أنه لا يجوز الخروج عن الحكام تغليبا لمصلحة الأمة وعامتها فى الاستقرار ومنعا لفتنة لا يعرف ما ستقود إليه، ابن تيمية وضع نظرية تقدير المصالح والمفاسد فى مسألة الخروج على الحاكم ومنازعته سلطته السياسية، فخروج الحسين بن على ومجازفته بالاستمرار فى المضى قدما لمواجهة يزيد ونظامه السياسى ذات الطابع التوريثى دون تقدير للواقع ودون الاستماع إلى نصائح من قالوا له بعدم الاندفاع وراء حسابات لا صلة لها بالواقع كابن عمر مثلا وابن عباس، وهما من كبار الصحابة، وقالوا له إن أهل العراق قلوبهم معك وسيوفهم عليك فلا تغتر بتزيينهم لك للخروج.وكما يشير ابن خلدون فى مقدمته، فإن أغلب حركات الخروج فى الخبرة الإسلامية لم يقدر لها الانتصار على الدولة، لأن الدولة عادة ما تكون راسخة وقوية ولديها من القدرة والقوة ما يمكنها من تعقب من يخرجون عليها.

صحيح أن الجماعات التى ناصبت الدولة الأموية مثلا العداء قد خصمت من رصيدها المعنوى باستخدامها القوة الزائدة عن الحد والعنف القاسى فى مواجهة مناوئيها من كبار الصحابة والتابعين فى المدينة، ويعد مسلم بن عقبة، القائد الأموى، عنوانًا على تلك القسوة حتى أطلق عليه مسرف بن عقبة لإسرافه فى استخدام القوة وسفك الدماء، كما أن تلك الجماعات خاصة الخوارجية قد استنزفت قوة الدولة العسكرية فعلا، ويعد عدد من قتل بين الدولة وتلك الجماعات المناوئة لها أكثر من تلك التى فقدتها جيوشها فى المعارك مع الأعداء.

بيد أن الخلاف حول الإمامة والسياسة واتساعه قد قاد إلى معارك وانقسامات كبرى فى جسد الأمة، وهى الفتنة التى تقاتل الصحابة حولها، فظهر لدينا الخوارج حول قصة الحاكمية واعتبار الدول المستقرة كافرة لا بد من الدخول فى مواجهات معها ثم ظهر الشيعة الذين خذلوا الحسين ولم يقاتلوا معه وأحدثوا انقساما آخر فى الأمة، وبقى أهل السنة والجماعة يوازنون المصالح والمفاسد تقديرا لمصالح الخلق والعباد واستمرارا لبقاء الدولة بعيدا عن الفوضى.

هنا صوت السياسة يقود الدين وأنا أقول بالتمييز بين ما هو سياسى وبين ماهو دينى، لأن سيطرة السياسة على الدين وتوظيفه من أجل جماعات من الأمة هو الذى قاد لتفرقها وتمزيقها، واقتتال بعضها بعضا وإراقة دمائها وأبنائها فى فتنة كل من خاض فيها وتحرك بشكل أكثر قوة كلما كان وزره وإثمه أعظم «القاعد فيها خير من القائم والماشى فيها خير من الساعى».

وهكذا كان بيان نداء الكنانة سياسى بامتياز يصدره مجموعة من المتخصصين فى الدين كل فى بلده تقريبا نفس المشاكل التى فى مصر من تغلب الحكام وغياب الديمقراطية واستحواذ على السلطة دون العالمين، فهناك علماء من المغرب وآخرون من اليمن وبعضهم من السودان وآخرون من موريتانيا، وكل تلك البلدان بحاجة إلى أصوات علمائها فى بلدانها وليس التكتل من أجل اعتبار النظام فى مصر غير شرعى وواجب على الأمة أن تقوم جميعها عليه، والوجوب هنا بمعنى أن من لم يفعل ذلك يأثم، ويعلم هؤلاء العلماء جيدا أن غالب سكان البلدان التى منها هؤلاء العلماء تعيش فى الفقر والجهل والمرض والبطالة والأمية، وتلك الأمم بحاجة إلى عملية تنمية وإصلاح كان حريا بهؤلاء العلماء أن يقوموا بها وأن يدعو إليها فى بلدانهم. يتبع.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة