منذ أن تولى السيسى الرئاسة وهو يحاول أن يوجه جهوده لمشروعات قومية كبرى مثل مشروع قناة السويس والمشروعات التى تم طرحها فى المؤتمر الاقتصادى ومشروع إسكان الشباب، وهى مشرعات مؤكد أننا جميعاً نتمنى أن تكتمل وتنجح وتحقق هدفها، من بعض رخاء أو انفراجة فى حياة المصريين لكى لا نجد أو على الأقل نقلل عدد المصريين الذين يرددون هذه العبارة :«مصر بقت قاسية قوى يا باشا على ولادها» عبارة شهيرة قالتها هند صبرى لعادل إمام فى إطار أحداث فيلم عمارة يعقوبيان وهى عبارة موجعة ووجعها نابع من صدقها، فكم من صدق هو موجع ولكنه الصدق هكذا، ولذا فأعتذر مقدماً عن محاولتى أن أكون صادقة لأنى سأكون موجعة فمصر «بقت وسخة قوى يا باشا»، وعفوا لأنى لا أستطيع إلا أن أستخدم عبارة وسخة لأن كلمة غير نظيفة لم تعد تليق بحالنا فلو قلت غير نظيفة سأكون غير دقيقة أو بالأحرى غير صادقة. ولست فى حاجة لأن أشير إلى أمثلة على وساخة وقبح شوارعنا ومبانينا وحدائقنا و«كبارينا» وطرقنا السريعة والبطيئة وكل ما يحيط بنا، ولكنى سأطرح واقعة حدثت لى أؤكد بها أن الوساخة أو عدم النظافة ثقافة انعدمت فى بلادى للأسف، فكنت فى رحلة لمنطقة الواحات الجميلة فبلادنا حباها الله ما ليس من صنعنا بجمال وتنوع، والطريق إلى الواحات يستغرق حوالى ثلاث ساعات ونصف ولا يوجد فيه إلا استراحة واحدة وطبيعى أن يتوقف الزائرون فيها للراحة وقضاء حاجتهم، وهى ليست رخيصة وحين حاول من معى دخول دورات المياه كادوا أن يغمى عليهم من الرائحة والقذارة وكان هناك مجموعة من السائحين اللبنانيين فى الرحلة فخرجت إحداهن من الاستراحة وهى تقول «هاد شعب ما عنده ثقافة النظافة خسارة»، وللحق وقفت خجلى من الموقف حين فكر بعض من معى أن يدافع عن مصر فأى دفاع هذا أعمى فى حق تقوله السائحة وهو حقها.
النظافة ثقافة ونحن كشعب من فرط إهمال الدولة واستهتارها بالأمر كفعل وتفعيل قوانين غابت عنا ثقافة النظافة، إن النظافة يا باشا ليست أن تغسل يديك قبل وبعد الأكل، إن النظافة جمال تعتاده العين وتجبرك عليه القوانين حتى لو كنت ضده فتتحول إلى سلوك ثم جزء من ثقافة أصيلة فى الشخصية، لننظر إلى مكاتب المصالح الحكومية التى نذهب إليها جميعاً وقبحها ووساختها وهو ما ينطبع على تعامل الموظف مع الجماهير وتصرف الجماهير مع الموظف. النظافة ثقافة وقانون والتزام من المواطن تجاه الدولة والتزام من الدولة تجاه المواطن فمثلاً لو كانت مصر نظيفة ما تجرأ مواطن أن يرتفع بمبنى خاص به دون ترخيص لأنه سيكون واضحا وضوح الشمس بين مبانٍ ملتزمة نظيفة. النظافة ثقافة والتزام وسلوك عام يلزم الدولة باحترام المواطن وحقه فى مكان يسير عليه آمن كالرصيف ويلزم المواطن أن يحترم الدولة. النظافة ثقافة والتزام تنعكس على الفنون وعلى الوجوه والعقول وهى إيمان فى بلد تكثر فيها المآذن ولكن تقل فيه النظافة وهو جزء من تناقضنا البغيض.
مصر بقت وسخة قوى يا ريس فلتكن نظافة شوارعها ومبانيها وحواريها وكل طريق فيها وكل بقعة فيها هى المشروع القومى الذى ستربح به مصر ويشعر المواطن بأنه مواطن له حق الحياة فى بلد نظيف بدلاً من أن يتحسر على حاله كلما نظر حوله، النظافة ليست رفاهية يا ريس فاجعلها مشروعك ومشروعنا القومى وهى بالتأكيد أقل كلفة من أى مشروع تحلم به ولكنه أكثر مكسباً.