بالطبع ليس عيبا أن تسعى قطر أو أى دولة أخرى لصناعة نفوذ، ولديها نماذج مهمة تناسب الدول الصغيرة التى تمتلك أموالا، يمكن أن تكون مقرا لصناعة أو تجارة أو وساطة، لكنها تبدو راغبة فى شراء هذا النفوذ بالمال والمكانة بالمليارات، ولكن هذا النوع من المكانة يظل مؤقتا ومرهونا بقدرة قطر على بناء علاقات تدافع عنها أو تستند لقوة ما يمكنها أن تسندها فى مواجهة الخطر.
طبعا قطر دولة بترولية مهمة، ولهذ تحظى باهتمام خاص من الولايات المتحدة، ثم إنها تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية فى المنطقة فى العديد.
فى وقت ما بدت إسرائيل أنها المثل الأعلى لقطر، فهى كيان صغير يمتلك مالا، وربما فكرت فى لعب دور مثل إسرائيل، من دون أن يمتلك مكوناتها وتركيبتها، وهناك محاولة لتقديم الدعم لجماعات إرهابية على رأسها داعش، ومن المفارقات أن أكبر دولتين تدعمان داعش فى العراق وسوريا هما تركيا وقطر، لكن المفارقة أن الدولتين كلتى تركيا وقطر، تربطهما علاقات استراتيجية مع إسرائيل.
إسرائيل أعلنت أنها لا تواجه أى خطر من داعش، بل إن إسرائيل تعالج بعض قيادات التنظيمات المسلحة على أراضيها، وهو نفس ما تفعله تركيا، حيث تنقل الجرحى من الإرهابيين بطائراتها من مواقع القتال إلى المستشفيات ليتلقوا العلاج وتعيدهم إلى مكانهم، يضاف إليه أن تركيا تقدم الدعم والتدريب والممرات الآمنة من أراضيها إلى سوريا والعراق.
فهل هو مجرد توارد خواطر أن تكون تركيا وقطر ضالعتان فى تمويل التنظيمات الإرهابية؟ أم أنه اتفاق على توزيع مهام، قد يكون لدى تركيا مبررها وتفسيرها، فهى تسعى للنفوذ، فضلا عن خسارة حليف تمثله جماعة الإخوان، لكن ما هى حجة قطر؟ وهل هى رغبة الدولة الصغيرة فى أن تلعب دورا وتسجل نفوذا على طريقة إسرائيل دون أن تعرف أن إسرائيل تلعب دور حاملة الطائرات الأمريكية، ثم إنها جزء من تركيبة غربية نجحت فى اللعب على كونها معرضة لخطر من حصار عربى ومهددة من جيرانها ومن الفلسطينيين، وهى تمتلك ماكينة دعاية تلعب على وتر الاضطهاد. على العكس من قطر التى لا تمتلك أيا من هذه المقومات، لكنها تلعب بشكل واضح وينكشف أمرها.
كل ما تملكه قطر هو المال، وبه يمكنها أن تشترى مسابقة كأس العالم أو تمول تنظيما مسلحا هنا أو هناك، فهى أعمال بلا فواتير، لكن إن قطر لم تتعلم من إسرائيل الكثير، وإن كانت خططها تمثل أحد عناصر الأمان لإسرائيل، فضلا عن كونها دخلت على خط الربيع العربى، وكأنها أصبحت فجأة دولة داعمة للديمقراطية التى لم تستعملها قط محليا وتريد دعمها فى الخارج. وهى حيل لم تنجح فى تسويق قطر كدولة مخيفة، لكنها روجتها كدولة تدعم الإرهاب من أجل النفوذ، وهناك فرق بالطبع بين صناعة النفوذ وبين شرائه جاهزا.