د. محمد على يوسف

نظرية المروحة

الأربعاء، 10 يونيو 2015 11:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هل تأملت يوما تلك المروحة التى تتوسط سقف غرفتك أو أى غرفة من غرفات منزلكم العامر بعد أن أطفأتها؟ هل لاحظت أنها رغم إغلاقها تحتاج إلى وقت حتى تتوقف تماما؟

نعم.. إنه ذلك القصور الذاتى الذى يجعلها تستمر فى الحركة لوهلة ثم تتباطأ رويدا رويدا حتى تهدأ أذرعها وتتوقف تماما.. ماذا لو حاولت إيقافها أو تهدئة حركتها بالقوة بينما هى لم تزل تدور بكامل سرعتها؟ سيحدث طبعا نوع من أنواع الاصطدام العنيف بين اليد أو الأداة التى حاولت إيقافها وبين ريشات المروحة المتسارعة. اصطدام ربما لا تحمد عقباه وربما لا يتمكن من إيقاف حركة المروحة قبل أوانها، كل جسم متسارع الحركة يحتاج إلى وقت حتى يهدأ إلا أن يوقف بصدمة عنيفة لا تضمن مآلاتها وكذلك القلب، ذلك العضو الذى تدور نبضات همومه وانشغالاته اليوم بسرعة رهيبة توازى سرعة الأحداث والاهتمامات والمخاوف والمرجوات التى لا تهدأ أبدا.. القلب المقبل بعد أيام قليلة على بساتين الخير وواحات الطاعة وارفة الظلال فى رمضان، بلغنا الله إياه. القلب الذى يشكو أكثرنا من قسوته فى ذلك الشهر، ويتساءل فى دهشة: لماذا لا يخشع؟ ولماذا لا يشعر بمعانى القرآن الذى يتلى عليه؟ ولماذا لا يدفع بدمعات الخشية إلى عينيه؟ دون أن ننتبه إلى أن السبب يرجع أساسا إلينا وإلى تعاملنا مع «مروحة» المشاغل والهموم والاهتمامات التى تدور بداخل ذلك القلب بشكل محموم، كل منا يحتاج إلى أن تأتى عليه تلك اللحظة التى ينادى فيها المنادى «يا باغى الخير أقبل» وقلبه فى حالة أهدأ وأشد تركيزا من حالته الآن!

يحتاج إلى أن يقف فى صلاة القيام متدبرا معانى الذكر الحكيم الذى يتلوه أو يتلى عليه.. يحتاج إلى أن يبكى من خشية الله وهو يلهج داعيا إياه بينما يتقلب فى الساجدين.. لأجل ذلك يحتاج هذا القلب إلى هدوء وسكينة ويحتاج صاحبه إلى صدر سليم وعقل واعٍ وذهن صاف مهيأ لاستقبال معانى المعجزة التى سيختم تلاوتها فى هذا الشهر الكريم بإذن مولاه.. ولكى يصل القلب إلى هذه الحالة الإيمانية ويشبع تلك الاحتياجات لا بد له أن يبدأ من الآن لعل معدل تسارع همومه الدنيوية ينخفض تدريجيا حتى يصل إلى حالة السكينة والسلام الروحى المطلوب منذ أول ليلة عتق من ليالى رمضان، إن تلك الحالة المنشودة لن تتأتى إلا بانطلاقة مبكرة تحرر القلب شيئا فشيئا من هذا البحر متلاطم الأمواج الكفيل بتحويل أرق القلوب إلى حجارة صلدة قاسية، لا أقول ينعزل المرء عن قضايا أمته أو يتدروش فيصير ممن قيل فيهم: «من لم يعن بأمر المسلمين فليس منهم» ولكنى أتحدث عن القصد والتوسط ورسول الله يقول: «القصد القصد تبلغوا».

أتحدث عن نصيب كل منا من قلبه الذى سيأتى يوم لا ينفعنا فيه إلا سلامة ذاك القلب «يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم» فلنبدأ من الآن.. اقتلع نفسك رويدا رويدا من مستنقعات المراء والشجار الذى لا يقدم أكثره ولا يؤخر سواء ذلك التى ترقبه عبر الشاشات أو ذلك الذى تكون أنت طرفا فيه.. اكتف بمتابعة الحدث نفسه وافهمه بشكل موجز غير مخل مما تثق به من المصادر مع المشاركة فيما تحتاجك فيه أمتك قدر تلك الحاجة، أما باقى الوقت فأنفقه فى تهيئة قلبك بكل ما تستطيع، أصلح علاقتك مع بيوت الله وجدد صحبتك مع سور كتابه العزيز وحاول مراجعة حالك مع الخشوع والذكر وابدأ فى إزالة التراب من على مصحفك وإعادته إلى يدك لا يكاد يفارقها. هيا.. ماذا تنتظر؟! تلمس مروحة قلبك من الآن فلم يتبق الكثير وابدأ فى تهدئته رويدا رويدا لعله يبلغ رمضان وقد عمت على أرجائه السكينة وغشيته الرحمة فأدرك هدية رمضان العظمى وهو سليم معافى.. أدرك العتق.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة