ولمَ المفاجأة فى وصلة الرقص التى كانت فى «قاعة جمال عبدالناصر» بحزب التجمع الذى مازال اسمه «التقدمى الوحدوى»؟ «الوصلة» كانت ضمن مسابقة فى ذكرى سيد درويش، والرافضون لها يتحدثون، وكأن الحزب موضع الانتقاد مازال هو الحزب الذى جمعهم يوما فى مسيرة نضال طويلة، ضد الاستبداد، وضد الفساد، وضد القمع، وضد إسرائيل، ومع حرية التعبير، وضد تكميم الأفواه.
كان «التجمع» حزبا ملهما وقت أن قال لـ«السادات» لا، فدفع كوادره حريتهم وكانوا زوارا دائمين للمعتقلات، لم يبحث وقتها عن مكاسب صغيرة بالتفاوض على عدة مقاعد فى البرلمان، وإنما راهن على المستقبل الذى سينتصر فيه الضمير الوطنى حتما، واجهه السادات بكتيبة إعلامية جبارة تتهمه بـ«الشيوعية»، فصمد من صمد، وباع من باع، وهرب من هرب، وخلال كل ذلك كانت قاعة جمال عبد الناصر هى المكان الذى يأتى إليه كل أصحاب الضمير الوطنى من كل التيارات السياسية المعارضة، كانت مصدرا للإشعاع السياسى والفكرى، كانت خميرة الأمل تستوى على مقاعدها وبكلمات ضيوفها، حتى لو لم يفز الحزب بأى انتخابات.
واصل الحزب دوره الرائد فى السنوات الأولى من حكم مبارك، وظل على مواقفه الوطنية الجذرية وخاض بها انتخابات 1948، ثم انتخابات 1987، وخسر فى الاثنين، لكن قيمته كانت تعلو فى السماء، فسقوطه كان يتم بالتزوير تحت سمع وبصر المصريين، وبنفس التزوير ينجح الآخرون.
ودع «التجمع» ماضيه حين تسلم «رفعت السعيد» وفصيله الراية، تعب «الفصيل» من انتظار ما سوف يأتى فقرر الراحة الأبدية، راحة كالموت رغم السير على قدمين، وبدلا من المواقف الجذرية التى كانت تجلب الاعتقال والمطاردة، دخل «الفصيل» زمن المفاوضات لأجل انتصارات صغيرة، فبعد أن رأينا حزبا يناضل ببرنامج وطنى يحكم به مصر، رأيناه ينسق مع الحزب الوطنى بكل فساده، من أجل مقعد برلمانى لزعيمه الوطنى المحترم خالد محيى الدين الذى لم يغرهِ ذهب السلطة مع السادات وبدايات حكم مبارك.
عاش «التجمع» راضيا هانئا بخمس أو ست مقاعد فى البرلمان بتنسيق مع نظام مبارك وأجهزته، وعاش راضيا هانئا بتعيين رفعت السعيد فى مجلس الشورى والقبول بهذا المبدأ بعد رفضه بشرف، وقت أن كان معارضا بجد، وعاش «التجمع» بتشخيص «السعيد» وفصيله لسلطة مبارك بأنها «سلطة وطنية» إلا قليلا، بعد أن كانت عكس ذلك تماما فى نظر الآباء الأوائل والفصائل المضادة لـ«فصيل السعيد»، وحين وصلنا إلى ساعة الجد فى ثورة 25 يناير كان «السعيد» فى خندق مبارك، وراجعوا تصريحاته فى البداية، فأين المفاجأة إذن؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة