ظن الإخوان أن بمقدورهم تغيير القوة الناعمة المصرية واستبدال قوة إخوانية خشنة بها، فواجهوا حائط صد قويا من حراس الحضارة والثقافة والفنون والمبادئ والأفكار والأخلاق وغيرها من أدوات الردع المعنوى، وتحولت البلاد إلى سجادة نار تحت أقدام الذين حاولوا طمس الهوية الوطنية أو تذويبها، وانهزمت ثقافة اللحى والذقون وأناشيد «خيبر خيبر يا يهود» وموسيقى دفوف الحرب.. وعلم مصر نموذج للوعى الناعم فى أعماق المصريين، بألوانه الأحمر والأبيض والأسود، رفعوه فى أيديهم ورسموه على وجوههم وزينوا به ملابسهم واحتضنوه فى قلوبهم، بينما قوبلت أعلام الإخوان الخضراء والسوداء بمشاعر الكراهية والاستنكار والاستهجان.
والحضارة والثقافة والفنون والآداب نماذج للقوة الناعمة المصرية، وهى مزيج من عظمة الفراعنة وعناق المسيحية والإسلام على ضفاف النيل، تحت ظلال التسامح والمودة والتلاحم والانسجام المجتمعى، بينما قوة الإخوان الخشنة التى استعرضوها فى حكمهم كانت خلطة شيطانية مشتقة من عقائد متشددة وأفكار ظلامية.. ثقافة مصر التى خاف المصريون عليها من الإخوان، هى عصارة، وعى أدبائها العظام الذين يتجاوز عددهم سكان قطر، وعندنا أيضا رصيد أم كلثوم وعبد الوهاب وعبدالحليم والسنباطى وعبدالمطلب ومحمد قنديل، وطابور طويل من عظماء الفن الذين يتجاوز عددهم عناصر الإخوان وتنظيماتهم المتطرفة، وهم حسب تعريف «جوزيف باى» نائب وزير الدفاع فى عهد كلنتون ومخترع نظرية القوة الناعمة «أصحاب الجذب والإعجاب والضم، دون اللجوء إلى القوة كوسيلة للإقناع، وأصحاب القوة المعنوية الروحية القادرين على التفاعل والتأثير».
استهان الإخوان بتلك القوات الناعمة فى ضمير الوعى المصرى أو لم يفهموها، وظنوا أن مظاهر «الإسلام الشكلى» التى جاءوا بها ونصبوا شباكها حول البسطاء والطيبين، مشفوعة بأكياس الأرز والسكر وزجاجات الزيت، يمكن أن تكون قوتهم الناعمة وتجذب الناس لهم، ففوجئوا بـ«إسلام حقيقى» يتسلح به المصريون، ويتوافق مع تسامحهم وحضارتهم وثقافتهم، ولا يمكن أن يزايدوا عليه أو يلعبوا به، ولم تنطل عليهم كنموذج تخاريف قدوم جبريل لصلاة الفجر فى رابعة، أو أن نبينا الكريم طلب من الدكتور مرسى أن يؤمه فى الصلاة، ولم يبتلع الطعم سوى مخدوعيهم الذين يعرفون أنها أكاذيب ويصدقونها.. بينما وظف المصريون قوتهم الناعمة لتعضيد القوة الصلبة، فى الحشد التاريخى العظيم يوم 30 يونيو.