الفرق بين الدولة المحترمة والمتحضرة والمتقدمة، وبين الدولة الفوضوية والمتخلفة، هو أن الأولى لا يعلو فيها صوت فوق صوت القانون والعدل، والثانية يندثر فيها القانون، ويغيب العدل، ويقفز قانون الغابة والطبطبة.
وللأسف فإن مصر، ورغم عراقة المؤسسات القانونية من دساتير ومقرات للعدالة ومراكز شرطية، فإنه فى كثير من الأحيان تتم تنحيتها جانبًا، والعودة للقوانين العرفية، من طبطبة، وشراء الخواطر، والمجاملات الفجة، والتى تأتى بنتائج كارثية.
بداية إقرار وتفعيل الجلسات العرفية كان فى عصر مبارك للفصل فى القضايا المتعلقة بالفتنة الطائفية «المسلمين والأقباط»، وكانت نتائجها وبالًا، وزادت من تأجيج الخصومة بين الطرفين بشكل لم يسبق له مثيل، وكادت تجر البلاد إلى مستنقع الصراع الطائفى.
وخلال الشهور الماضية قررت وزارة الداخلية، متمثلة فى المباحث الجنائية، تنحية القانون تمامًا، وتفعيل الجلسات العرفية، لإنهاء النزاعات المتعددة، خاصة فى القرى والنجوع فى المحافظات المختلفة، وأصبحت «المصاطب» بديلًا قويًا لقاعات المحاكم والمراكز والأقسام الشرطية لفض النزاعات.
هنا مكمن الخطر الداهم على دولة القانون، حيث أدى التوسع المخيف فى جلسات المصاطب لحل النزاعات بين المواطنين إلى استفحال الصراع، وزيادة مخيفة فى دوائر العنف، وسقطت أعداد كبيرة من القتلى، بل تحولت فى بعض المناطق إلى مجازر، مثلما حدث فى الشرقية، والمنيا، وبنى سويف، وأسيوط، وقنا، والبحيرة، والغربية.
ورأينا المواطنين ينفذون قرارات الإعدام شنقًا فى خصومهم، وتعليقهم على أعمدة الكهرباء، وأشجار النخيل، فى جرائم هزت استقرار المجتمع بعنف.
هذا الخطر الداهم على استقرار المجتمع، المتمثل فى الجلسات العرفية، وتنحية القانون والعدالة، إنما هدفه عدم قيام المباحث الجنائية والأمن العام بدورهم، والاكتفاء فقط بالجلوس فى مكاتبهم، لا يتحركون إلا فى حالة واحدة.. معاينة الجثث، والدفع بها للمشرحة، ثم العودة إلى مكاتبهم من جديد، هذا الأمر الجلل، سيقود البلاد- لا قدر الله- إلا اقتتال أهلى لا تُحمد عقباه، وسينفلت اللجام من بين يدى رجال الأمن، ولن يستطيعوا مطلقًا الإمساك به من جديد، وفى حالة انزلاق الدولة فى هذا المستنقع، أول من يسدد الفاتورة الباهظة الثمن رجال الأمن أنفسهم.
السؤال الصعب: هل وزير الداخلية لديه علم بهذا السيناريو الكارثى؟.. المعلومات المتوافرة التى تتردد بقوة داخل أروقة ودهاليز المقرات الأمنية المختلفة تؤكد أن هناك حالة من الغليان تسود المباحث الجنائية، لأن وزير الداخلية منح كل الصلاحيات والاهتمام البالغ لرجال الأمن الوطنى على حساب المباحث الذين كانوا يحتلون قمة هرم الاهتمام الأمنى فى عهد وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم.
الوضع خطير، وتفوق خطورته مواجهة الجماعات التكفيرية، وإذا لم تتحرك قيادات وزارة الداخلية بسرعة لتفعيل القوانين، والإيقاف الفورى للجلسات العرفية، فإن الوضع سيكون وبالًا.. اللهم بلغت.. اللهم فاشهد!
دندراوى الهوارى
كارثة.. «قعدات المصاطب» بديلا عن المحاكم والمقرات الأمنية
الأربعاء، 17 يونيو 2015 12:06 م
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة