ننشر البحث الفائز بجائزة الدراسات النقدية فى "مركزية قصور الثقافة"

الجمعة، 19 يونيو 2015 05:00 م
ننشر البحث الفائز بجائزة الدراسات النقدية  فى "مركزية قصور الثقافة" ناهد رحيل

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فازت الباحثة "ناهد راحيل" بالمركزالثانى فى المسابقة الأدبية المركزية للهيئة العامة لقصور الثقافة، وجاء عنوان البحث "سوناتا الفنون .. تداخل الفنون فى الشعر العربى الحديث محمود درويش نموذجا"، وفيه:

إن الارتباط بين الفنون قديم قدم الفنون ذاتها؛ لأنها تنبع من مصدر واحد وتنتهى إلى غاية واحدة، وتعتمد فى معظمها على أصل واحد، أرجعه أرسطو إلى المحاكاة، لذلك فمن العسير فصل الفنون عن بعضها حيث تجمعها وحدة روحية وجمالية، وتفرقها وسائل التعبير الظاهرية والتقنيات الخاصة بكل فن على حدة، وقد تشترك فيما بينها فى بعض هذه الأساليب والتقنيات.

وقد كان الفصل بين الفنون مبدأ أساسيا فى النقد الكلاسى الذى يؤمن بما يعرف بمذهب "نقاء الأنواع"، أى أن هذه الفنون يجب أن تبقى منفصلة ولا يسمح لها بالامتزاج، وهو المبدأ الذى ثارت عليه الحركة الرومانسية وتبنت فهما جديدا لنظرية الأنواع؛ فلم تلتزم بالتحديدات الصارمة بين الفنون فخلطوا بين أشكال عديدة منها. وظهرت بعد ذلك عدة أصوات تنادى بالدعوة إلى هدم فكرة الأنواع وإلغائها مثل بينيديتو كروتشه وموريس بلانشو ورولان بارت. وفى مقابل هذه الدعوات بضرورة نبذ النوع والتخلى عن فكرة تصنيف الفنون، انبرت أصوات نقدية مدافعة عن وجود الأنواع وداعية إلى بقائها واستمرارها، ومن هؤلاء ميخائيل باختين وجيرار جينيت وتزيفتان تودوروف.
ولم يقف الشعر بمعزل عن الفنون والأنواع الأدبية المختلفة؛ فلتعدد التجارب الإبداعية حدث انزياحا بين الشعر والفنون المختلفة؛ فاستعار الشعر من الفنون الأخرى تقنياتها ووسائلها التعبيرية لعرض تلك التجارب، وربما يرجع هذا التداخل إلى ضرورة حداثية تطلبت من الذات المبدعة الولوج بخطابها الشعرى إلى آفاق لم تكن تعهدها من قبل.
وقد قامت الدراسة باستنطاق مظاهر تداخل الفنون فى الخطاب الشعرى لدى الشاعر"محمود درويش"، وكيفية الاستعانة بأبجدياتها المتعددة وتقنياتها المختلفة وما تقدمه من عناصر تسهم فى تشكيل نصه الشعري.
وقد خلصت الدراسة إلى عدد من النتائج يمكن إجمالها فى النقاط التالية:
1. استعار محمود درويش من تقنيات الفن المسرحى ما يمكن تطويعه لخدمة التجربة الشعرية وبما يتوافق مع طبيعة البناء الشعري، وقد تم استخدامها للأغراض نفسها التى يستخدمها النص المسرحي، وذلك للتعبير بواسطتها عن الطبيعة الدرامية للرؤية الشعرية والابتعاد عن الغنائية.

2. أصبح الصراع جزءا من بنية القصيدة فى العصر الحديث، وضرورة فنية من ضروروات النص الشعرى المعاصر. واتخذ الصراع عند محمود درويش أشكالا مختلفة تطورت مع تطور مسيرته الشعرية، ففى مراحله الأولى ارتبط خطابه الشعرى بالأيديولوجيا والتوجهات السياسية المباشرة، فكان الصراع بشكله المباشر سمة غالبة فى إنتاجاته الأولى كما اتضح فى قصيدته "بطاقة هوية" وهو الشكل الذى فرضته طبيعة الاتصال المباشر بتجربة الاحتلال ومعايشته لها. ثم انفصل الشاعر تدريجيا عن الخطاب الأيديولوجى المباشر فاتخذ الصراع أبعادا جديدة أكثر فنية نجد أمثلته فى مجموعاته "ورد أقل"، و"هى أغنية هى أغنية" و"أرى ما أريد"، و"حالة حصار". وفى إنتاجاته المتأخرة نجد أن الصراع ينفتح على فضاءات أكثر إنسانية ليبرز صراعه مع الذات وصراعه مع الموت الذى أصبح موتيفا مركزيا فى شعره، ونجد ذلك فى مجموعاته الشعرية "جدارية" و"أثر الفراشة" و"لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي".

3. لتعدد الأبعاد فى الرؤية الشعرية لجأ الشاعر لتقنية تعدد الأصوات والشخصيات المستمدة من الفن المسرحى والتى تمكنه من عرض الأفكار المتباينة والآراء المتعارضة، وتعد القصيدة الدرويشية قصيدة تعدد أصوات فى المقام الأول، ويقوم بناؤها الهيكلى على تعدد التقنيات الفنية، وكانت البنية الحوارية التى تفرضها تقنية تعدد الأصوات والشخصيات جزءا أساسيا فى التركيب الفنى لقصيدته منذ البدايات، غير أن ملامحها الفنية بدأت تتشكل وفق رؤية مختلفة فى أعمال درويش الأخيرة ظهرت فى مجموعاته "كزهر اللوز أو أبعد"، و"سرير الغريبة" و"لماذا تركت الحصان وحيدا"؛ فالبنية الحوارية لدى درويش لا تنهض على صوتين متحاورين فقط، بل تقوم على عدة أصوات يتسلل بينهم دائما صوت "الأنا" ليوضح فكرة أو رؤية مختلفة أو ليبرز المفارقة الكامنة خلف الأصوات الأخرى.

4. كان الحوار هو التقنية المسرحية المكلمة لتقنية تعدد الأصوات والشخصيات، وغلب توظيف الحوار لدى درويش فى المرحلة التى انفصل فيها تدريجيا عن الخطاب الأيديولوجى المباشر، وكان اللجوء إلى الرمز الدينى والأسطورى من أهم ما يميز تلك المرحلة؛ فمن طرق الحوار التى يقدمها درويش ضمن خطابه الشعري، الحوار القائم على رمزية غامضة تتوارى خلف التناص الدينى أو الأسطورى كما فى قصيدة "الهدهد"، وفى مجموعته الشعرية "لماذا تركت الحصان وحيدا" ومجموعته "لا تعتذر عما فعلت"، أما فى مجموعة "سرير الغريبة" فقد تم توظيف الحوار بوصفه خطاب المجابهة مع الآخر الأنثوى وهو أول عتبات البوح التى كشفت عن طبيعة العلاقة بين "الأنا" الذكورية و"الآخر" الأنثوى فى شعر درويش.

5. استعار درويش الجوقة من الفن المسرحي؛ لتنهض بما تنهض به فى المسرحية، وهو التعليق على بعض الأحداث فى القصيدة، وشرح بعضها الآخر. وتعد الجوقة رافدا مساعدا من روافد البنية الحوارية فى القصيدة لديه جاء توظيفها بالوظيفة فقط فى النص الدرويشى بهدف توضيح الآراء المختلفة والمغايرة لصوت الشاعر الرئيس.

6. حرص درويش على استعارة الإشارات السردية والتعليقات المسرحية التى يكتبها المؤلف المسرحى عن عمد لتعوض غياب خشبة المسرح عن النص المكتوب، أو لغياب الإشارة لاسم المتكلم نفسه، أو لتوزيع الأدوار، ولتحديد الفضاءات والأفعال. وقد اتضح استخدام هذه التقنية لدى درويش منذ إنتاجاته الأولى وكثرت فى أعماله الأخيرة خاصة فى مجموعته "لماذ تركت الحصان وحيدا" ومجموعته "لا تعتذر عما فعلت".

7. كلما ابتعدت الرؤية عن الذات الشاعرة بمسافة كافية تمكنها من تجسيد الحدث وتمثيله داخل النص الشعري، كان النص مهيأ لاستيعاب تقنية السرد ومن ثم اقتراب القصيدة الشعرية من بنائية النص القصصي. ومن هنا استعان محمود درويش بتقنيات السرد للتعبير عن الأحداث والواقع المعيش.

8. يعتبر العنوان علامة جوهرية للمصاحب النصي، ومن التقنيات التى استعارتها القصيدة الحديثة متأثرة بفن الرواية. وقد استعاره درويش للكشف عن طبيعة النص ومضمونه سواء كانت عناوين للدواوين والقصائد أو عناوين داخلية، وإذا نظرنا إلى عناوين مجموعاته الشعرية الأولى وجدناها تتصل اتصالا مباشرا فى معظمها بواقعه الأيديولوجي، ثم أخذت لاحقا منحى رمزيا وابتعدت عن المباشرة التى ميزت المراحل الأولى، فتنوعت ما بين موضوعاتية وإخبارية.

9. استفادت قصائد الشاعر من تكنيك تيار الوعى المستخدم فى الروايات التى تقوم على استبطان دواخل الشخصيات بأساليبه المتعددة كالمونولوج والتداعى الحر للأفكار والذكريات، وعمل استدعاء المونولوج لديه للشخصية على استجابة النص الشعرى لمتطلبات القص، هذه الاستجابة التى جعلت النص يقترب من بنية القصة القصيرة.

10. استعار محمود درويش تقنية أخرى لإزاحة النقاب بها عن مرحلة اللاوعي، وهى تقنية الحلم. وشكل الحلم لديه عتبة أساسية ووسيلة مثلى للبوح، وغالبا ما تقترن تقنية الحلم بالمونولوج، حيث تحاور الذات الشاعرة نفسها متكئة على الحلم بوصفه منبعا للصورة الشعرية، وجاء الحلم لدى درويش محملا بمجموعة من السمات أبرزها كونه ملمحا استشرافيا ارتبط بسياقات تفاؤلية تخص علم العودة.

11. يعد الاسترجاع من التقنيات التى استعارتها القصيدة الحديثة من الفن القصصى بشكل ملحوظ وقامت بتطويعها لطبيعة بنائها الفني، وتوفر هذه التقنية قدرة كبيرة على تداعى الأفكار واستدعاء ما مر من أحداث. وجاء حضور الاسترجاع قويا فى النص الشعرى الدرويشي، وربما يرجع ذلك إلى رغبة درويش فى بناء الذاكرة واستعادتها للحفاظ عليها.

12. استعار درويش البناء القصصى إطارا لبعض قصائده، وشكل الحدث مكونا مهما من المكونات الأساسية فى البنية السردية فى النص الشعرى لديه، وقد ارتبطت الأحداث بوجود الشخصيات؛ حيث أنها المحور الذى تدور حوله الأحداث. ولطبيعة الشعر التى تختلف عن طبيعة السرد، نجد أن الشخصيات لديه تم عرضها عن طريق الدور الذى تقوم به داخل الحدث. وقد أمكن تحديد أربعة أنماط من الشخصيات التخييلية، يشكل كل نمط منها بنية دالة متماسكة ومقاربة للطموحات الاجتماعية والسياسية للمجموع ومحملة بأفكاره، وهذه الأنماط هي: نمط الأب، والأم، والأنا، والآخر.

13. استمد الشاعر من الفن السينمائى بعض تقنياته الخاصة التى تنتسب إليه من أجل إثراء نصه الشعرى ومدّه بأساليب فنية جديدة، اتضحت عند محاولة كتابة أو نقل مشهد مرئى مصور وتصوير حركته على نحو يثير عين المتلقى وفكره، ويجعله يتابع الحدث بوصفه فعلا مرئيا كما لو كان مشهدا سينمائيا متحركا فوق شاشة بيضاء.

14. تأثر درويش بالسيناريو السينمائى شكلا ومضمونا لكنا لم يلتزم بطرق كتابته إنما قام بتطويعيه لطبيعة تجربته الشخصية ولطبيعة البناء الشعرى شديد الخصوصية. وقد عمد إلى طرق كتابة السيناريو وتقنياته المختلفة للتعبير عن الحدث الذى يكون دواله السردية أسرع فى النص الشعرى مما عليه فى القصة، فاعتمد على تقسيم القصيدة إلى مشاهد وتوزيع المشاهد على شكل مناظر وكذلك تنظيم الكادر على مساحة المشهد لبناء التكوين العام كما فى قصيدته/ الديوان "مديح الظل العالي" التى من الممكن اعتبارها قصيدة سينمائية -إن صح التعبير- فالديوان عبارة عن مشاهد منفصلة تكوّن بمجموعها سيناريو شعريا.

15. تأثرا بمفهوم المونتاج أخذ درويش يسجل فى نصوصه الشعرية صورا أو لقطات متعددة تعقبها لقطات أخرى فى إطار معين من العلاقات، بهدف تحقيق تأثير مقصود فى المتلقي. وقد اعتمد على أساليب المونتاج المختلفة؛ لإعادة ترتيب اللقطات وتركيبها وتنظيمها، بجانب الاهتمام بالمؤثرات السمعية والبصرية. وقد مرت القصيدة الدرويشية بثلاث مراحل رئيسة من حيث الإفادة من هذه التقنية (المونتاج)، فنجد المرحلة المباشرة، وهى عملية ربط الصورة بعضها ببعض كما فى قصيدة "سرحان يشرب القهوة فى الكافيتريا، ثم المرحلة المنتبهة التى تتجاوز المرحلة المباشرة كما فى قصيدة "أعراس"، ثم المرحلة الاحترافية التى تتبنى تقنية المونتاج فى إنتاج القصيدة بكل ما فى هذه التقنية من قوة على مستوى الشكل والمضمون كما فى القصيدة/ الديوان "مديح الظل العالي".

16. عمد الشاعر إلى توظيف تقنيات الفن التشكيلى وأدوات التحرير المختلفة لتشكيل القصيدة التى أسهمت فى إنتاج الدلالة الشعرية، فقد أدى توظيفه لتقنية الفراغ/ البياض إلى الخروج عن الشكل الكتابى التقليدي، الأمر الذى عمل على استحضار الصوت والصورة فى آن واحد. وقد اعتمد درويش بشكل أساسى على التشكيل البنائى للقصيدة عن طريق توزيع الجمل والمفردات داخل فراغ الصفحة؛ فعمل على خلق أشكال شعرية كتابية مختلفة تتسق مع مضمون التجربة التى يتم نقلها إلى المتلقى بما أمكن تسميته بـ "حركية المضمون".

17. عمد درويش فى تشكيل فضاء النص إلى توظيف الرسوم والأشكال، الذى تركز فى الغلاف الأمامي/ الخارجى للنص. وقد أصبحت الأغلفة لديه معادلا تشكيليا بصريا يعبر عن الفكرة الأساسية للمجموعات الشعرية وعن مناخها العام. كما لجأ محمود درويش إلى تشكيل النص الداخلى عبر تطعيمه بالرسوم بوصفها تلخيصا بصريا لمقاطع القصيدة، وذلك للتأثير فى المتلقى عبر الصورة المرئية بجانب الكلمة المقروءة.

18. عمد درويش إلى استخدام أنماط التكرار المختلفة، الأمر الذى أدى إلى صبغ القصيدة بصبغة الأرابيسك التشكيلى الذى يعتمد على تكرار الوحدات فى أنساق طباقية، وذلك عبر تكرار الوحدات اللغوية فى أنساق وأنماط متعددة؛ فبجانب الأثر الصوتى الذى يحدثه التكرار، يسهم التكرار كذلك فى إنتاج الدلالة الشعرية وإبرازها وتوسيع نطاقها.
ومن هنا أفاد درويش من تقنيات الفنون المختلفة فى تطوير مستويات بناء القصيدة المعاصرة وتشكيلها، وعمل على تطويعها بما يخدم طبيعة الخطاب الشعرى بوصف الشعر فنا متميزا له شروطه الفنية الخاصة. ومن هنا تميز النص الشعرى لديه بالأشكال الحوارية الممتزجة بالنزعة القصصية والمسرحية، كما تميز بتحقيق البنية البصرية داخل النص الشعرى المكتوب، أى الانتقال من النص إلى الخارج بصريا، مفيدة من تقنيات الفنون البصرية السينمائية والتشكيلية.


موضوعات متعلقة..


"قصور الثقافة" تعلن المسابقة الأدبية المركزية للهيئة.. والرواية تتراجع








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة