كانت أغنية «رمضان جانا» لعبدالمطلب، مثل بيان دار الإفتاء بإعلان هلال رمضان، وتبقى على مدى عقود رمزا لشهر رمضان ومعها تراث من الأغانى والأصوات، تبقى حتى بعد ظهور التليفزيون.. «وحوى ياوحوى»، «مرحب شهر الصوم» لعبد العزيز محمود.. و«سبحة رمضان لولى ومرجان» للثلاثى المرح.. ومحمد فوزى «هاتوا الفوانيس يا ولاد و«أهو جيه يا ولاد»، و«تم البدر بدرى» و«يا بركة رمضان خليكى» لمحمد رشدى.
المدهش أن تراث رمضان حتى الآن يقوم على تراث الإذاعة التى ظهرت عام 1934، وهى التى وضعت خريطة رمضان حتى الآن، من مسلسلات وفوازير وأغانى وبرامج، وكان ظهور الإذاعة هو الفارق بين عصرين، عصر الحكايات الشفهية والرواة الشعبيين والموالد والـ«صييت» المتجول، وبين عصر الاتصالات المتنوعة التى تجعل العالم نقطة واحدة.
وما يجرى فى التليفزيونات والفضائيات الآن، يجرى فى استوديوهات الإذاعة، ولعل أكثر الأعمال شهرة فى تاريخ الإذاعة فى رمضان، كان مسلسل «ألف ليلة وليلة»، والذى بدأ ولم تكن أغلب مصر عرفت الكهرباء، وبالتالى كان الإخراج الإذاعى يعتمد المؤثرات الصوتية والموسيقى التى تصنع التشويق وتشعل الخيال.
منذ منتصف الخمسينيات ظهر التليفزيون ليمثل الجزء الثانى من ثورة نقل الصوت والصورة، بعد الإذاعة. وفى مصر مع منتصف الستينيات كان التليفزيون بقناتين فقط يقدم عصرا جديدا، وبقى تراث الإذاعة طاغيا، ومع هذا فقد نجح التليفزيون فى أن يقدم المسلسلات فى عصور مختلفة، حتى وصلنا إلى عصر الفضائيات الواسعة، ولم يعد المشاهد مخيرا بين قناتين أو ثلاثة بل عشرات كلها تتنافس بتقديم نفس البضاعة، إنتاج واسع واستعجال وسلق.
بقى هناك نوع من الحنين إلى الماضى بأغانيه ومسلسلاته وبرامجه، يتجاوز حنين أجيال لماضيها، لكن الواقع يشير إلى أن الإتقان والصنعة فى الدراما والأغانى نقصت، لصالح التسطيح، بقينا نعتمد على نفس منتجات الخمسينيات من أغانى رمضان. وافتقدت الدراما للأعمال الكبيرة التى تعبر عن مصر والناس.
الآن نحن أمام نوعيات من الدراما كلها تدور فى مربعات الإثارة، كأن المجتمع المصرى ليس فيه غير القتل والسرقة والخيانة. ليس فيه سياسة وحيرة وتحولات وصراعات المال الطبيعية. يصعب القول، إن الدراما تقدم صورة المجتمع المصرى كما هو بصراعاته وأحلامه وطموحاته وأخطائه. وليس فقط فى مربع الصراعات الدموية. والمفارقة أننا بعد كل هذه الثورة فى تكنولوجيا نقل الصوت والصورة، نستعمل أيضا تراثا إذاعيا منذ أكثر من نصف قرن. وليس لدينا ما نقدمه ليعبر عن عصرنا مثلما كان السابقون يفعلون. والدراما خير مثال وهذا موضوع آخر. وبقيت مقولة رمضان مش زى زمان تتردد، هل هو حق أم مجرد حنين للماضى؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة