الأزمة الأخيرة بين الحكومة و«اليوم السابع» فتحت ملفا متوترا ومسكوتا عنه يتعلق بعلاقة الصحافة والإعلام بالسلطة السياسية، مسكوت عنه بالرغم من الانتهاكات لحرية الصحافة التى حصلت على مدار السنة الماضية، أكدت الأزمة وحدة جماعة الصحفيين وكشفت أننا بحاجة ماسة لتفعيل مواد الدستور بخصوص حرية الصحافة وحرية تدفق المعلومات والحصول عليها. خرج الصحفيون من هذه الأزمة بربع انتصار، لأنه لم يصدر عن السلطة حتى اللحظة موقف واضح من حرية الصحافة، ومتى تفعل مواد الدستور، والأخطر أن رئيس الوزراء أكد على العلاقة المميزة بين الإعلام والدولة، مشددا على أننا فى وقت الاصطفاف الوطنى، وهذه ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التى يتحدث كبار رجال الدولة عن الاصطفاف الوطنى وحرية الصحافة فى مرحلة مواجهة الإرهاب، وإعادة بناء الدولة وإطلاق مشروعات تنموية كبرى، لذلك لا بد من توضيح ما يلى:
أولا: لا يوجد معنى محدد أو متفق عليه للاصطفاف الوطنى، هو شعار مطاطى متحرك، ينتمى لتجارب غير ديمقراطية شهدها العالم، وانتهت بالفشل.
ثانيا: فى ظل الاصطفاف الوطنى فى كثير من الدول والتجارب مثل الاتحاد السوفيتى والصين وسوريا وليبيا والعراق وأمريكا أيام المكارثية البغيضة، جرى انتهاك ممنهج لحرية الرأى والتعبير، وحرية الصحافة والإعلام، وجرى تخويف الصحفيين، وتضييق المجال العام، ثالثا: فى ضوء التفسيرات والتجارب السابقة للاصطفاف الوطنى، تكمن الخطورة فى اتهام أى مخالف لرأى الحكومة التى ترفع شعار الاصطفاف الوطنى بأنه خارج إطار الوطنية أو غير وطنى، وبالتالى تضيع حرية الرأى والتعبير وحرية الصحافة والإعلام، ويغيب النقد والمتابعة والتقييم للأداء العام.
رابعا: التاريخ الأسود لمفهوم الاصطفاف الوطنى، ومعناه المراوغ يدفعنى لرفض استخدام هذا المفهوم بعد ثورة 25 يناير، الذى يهدد المكاسب التى حصدها الشعب بتضحيات غالية، وكسبها الصحفيون بنضال طويل.
خامسا: بدلا من مفهوم الاصطفاف سيئ السمعة الذى استخدمه مؤخرا رئيس الوزراء، أدعو الرئيس السيسى لبناء شراكات حقيقية تقوم على الحوار بين أطراف المجتمع، وبناء جبهة سياسية يتفق أطرافها على أهداف محددة، يعملوا لتحقيقيها رغم ما بينهم من اختلافات فكرية أو سياسية، وتنتهى الجبهة بمجرد تحقيق هذه الأهداف، سادسا: يعتمد قيام شراكات أو جبهات سياسية على الحوار والتوافق على هدف أو أهداف معينة بين أحزاب أو نقابات أو جمعيات من المجتمع المدنى، ما يعنى عدم تطابق الآراء، أو فرض رأى واحد، وإنما يعنى الاتفاق الطوعى، والعمل المشترك لتحقيق هدف أو أهداف محددة خلال فترة معينة، سابعا: من الأفضل ألا تدخل الصحافة والإعلام ضمن هذه الشراكات أو الجبهات السياسية، لأنها السلطة الرابعة التى تراقب كل السلطات، والأداء العام لصالح المجتمع، وبالتالى يفضل أن تأخذ مسافة واحدة من كل أطراف العمل السياسى، ولكن قد يحدث أن تؤيد صحيفة جبهة سياسية ما، وهذا حقها شرط ألا تخلط الرأى بالخبر، وأن تلتزم بالمهنية ومواثيق الشرف الإعلامى.
ثامنا: ليس من المنطقى أو المقبول أن تدخل كل الصحف ووسائل الإعلام جبهة سياسية واحدة، حتى وإن كان هدفها محاربة الإرهاب، لأن هذا الهدف هو جزء أصيل من دور الصحافة ووظائفها فى كل العصور، وبالتالى أفضل دائمًا أن تبقى الصحافة والإعلام خارج كل الجبهات مهما كان سمو الأهداف التى تسعى إلى تحقيقها، تراقب الجميع، وتلتزم بمعايير العمل المهنى ومواثيق الشرف الإعلامى، لأنها بذلك تخدم الوطن والشعب بشكل أفضل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة