قليلة هى المواهب التى تجبرنا على التوقف أمامها.. تميزها وقدرتها الخارقة على التلون والتنوع فى الأداء، وطريقتها المدهشة التى تفاجئ بها الجمهور والنقاد معا، تجعلنا نردد كلمه واحدة وهى اسم تلك الموهبة وفقط، حيث تصبح الكلمات عاجزة عن وصف تلك القدرة على الأداء.. هذا تماماً ما تفعله نيللى كريم فى كل خطوة فنية تخطوها، أو عمل جديد تقدمه.. نيللى التى باتت الأعمال التى تقدمها سنويا علامة مميزة تتجسد فى عمل فنى متكامل من حيث عناصره الفنية، أبدعت نيللى مع المخرجة كاملة أبو ذكرى، وهذا العام تتألق فى مسلسلها «تحت السيطرة» مع مخرج متميز يملك حسا إنسانيا خالصا وهو تامر محسن، يعشق الفنان الذى يعمل معه، ويوظف باقى العناصر الفنية ليضيف لأداء ممثليه أيا كان حجم دورهم، فما بالك إذا كانت معه موهبة اسمها نيللى كريم، ونص ملىء بالتفاصيل الدرامية مثل نص مريم ناعوم فى «تحت السيطرة».
مريم هى نموذج لفتاة من لحم ودم تشبه الكثيرات، فى مجتمع يعشق الزيف، فتاة ضحية ظروف وتساؤلات، قلق نفسى، قلق وجودى، من أنت؟ أين تقف ممن تخاف؟.. أسئلة كثيرة تطرحها مريم وتقول: «بخاف من حاجات كتير الوحدة الزحمة، من نفس الحاجة وعكسها.. الخوف بقى سارح فى الدم.. وأكتر حاجة بخاف منها هى خوفى بكرهه أوى».. إلى آخر الجمل الحوارية المصاغة بحرفية وتكثيف شديد يعبر عن حالة الشخصية القلقة التى تخفى الكثير.. وأصعب اللحظات هى تلك التى تواجه فيها نفسها.. من منا فى أى لحظة شعورية أو موقف مرتبك يمر به لا يشعر بمثل هذه اللحظات.. من منا لم يمر بلحظة ارتباك أو موقف تتناقض مشاعره حياله، تلك هى الحياة أنها الحياة التى باتت أقرب إلى الغابة راجع التتر الذى يحمل وجهة نظر المخرج والنص.. موسيقى معبرة لتامر كروان صور لنعام يدفن رأسه، لقطات لسمك ضعيف الذاكرة، ريشة تتطاير وجوه تختلط مع شوارع، مع لقطات لحديقة حيوان غراب.. وأخيرا شعلة بوتاجاز، وهو التتر الذى يخبرنا أن الوضع قابل للانفجار وأبدا لن يكون تحت السيطرة.. مريم الهاربة من ماضيها، والذى يتكشف كبكرة خيط شد طرفاها.. مريم التى تخيلت أن الماضى أصبح وراء ظهرها، إلا أن كل شىء يعود.. مريم التى تدخل القاهرة قادمة بعد رحله هروب أو بحث عن النفس فى دبى تعود إلى القاهرة على أنغام أغنية تلات سلامات.
تحت السيطرة عمل فنى واعد يستحق المشاهدة والمتابعة الدقيقة بعيدا عن سخف الإعلانات، التى تأخذ حقيقة من روح العمل وتواصل المتفرج معه.. خصوصا أنه من الأعمال المليئة بالتفاصيل لمخرج يعرف كيف يضيف للنص الدرامى ويأخذه ويحلق وفنانة مشغولة دوما بموهبتها- (راجع مشهدها وهى تتابع خادم الغرفة وهو يرفع الخمور من الثلاجة، مشهدها وهى تلهث فى محاولة للهرب على عجلة الجرى، مشهدها وهى تهرب من زوجها، الذى تشعر بالحب والامتنان ناحيته ولكنه ليس حب الروح، مشهدها وهى فى المقبرة تزور صديقها الذى مات بجوارها من جرعة زائدة)، «مشهدها فى الحمام وهى تأخذ مهدئاً للأعصاب». تحت السيطرة للمنتج جمال العدل عمل فنى جدير بالمشاهدة.