فى مصر، قبل الثورة وبعدها، معايير الاختيار فى الوظائف العامة التوريث، فأبناء القضاة قضاة، وأبناء اللواءات ضباط، وأبناء الأساتذة فى الجامعات دكاترة، وأبناء مقدمى ومخرجى البرامج وكبار المسؤولين فى ماسبيرو مذيعون ومخرجون ومنتجون، وأبناء العمال فى المصانع وشركات القطاع العام موظفون.. إذن عناصر الاختيار ليس من بينها «الأصلح» والأكفأ والأفضل، ولكن للتوريث والواسطة والمحسوبية الدور المحورى، ومن ثم «البقاء لله» فى الكفاءات، والمجد والحياة لأنصاف المواهب، وتدهور خطير فى طريقة إدارة المؤسسات المختلفة وتراجع دورها، وانهيار تام فى شرايين الحياة للبلاد.. البقاء لله، حقيقة تتجلى بوضوح فى مبنى ماسبيرو، على سبيل المثال لا الحصر، نتيجة اختفاء الكفاءات، والاعتماد على توريث الوظائف، وكانت النتيجة انهيارا تاما لتليفزيون الدولة بكل قنواته ونزيف مخيف للموازنة العامة.
الدولة تشترى «التورماى» شهريا فى مبنى ماسبيرو، إذا وضعنا فى الاعتبار أن حجم الأجور والمكافآت فى القنوات المختلفة، ضخم للغاية، والنتيجة صفر، ولم يستطع تليفزيون الدولة منافسة قناة مثل «الفراعين» التى لا تصل ميزانيتها واحد على مليون من ميزانية قناة من القنوات التى لا تعد ولا تحصى، والنتيجة أن مديونيات تليفزيون الدولة بلغت 17 مليار جنيه، نعم 17 مليار جنيه، والتكرار هنا للتأكيد على الرقم.
أيضا، البقاء لله، حقيقة تتجلى فى مقرات هيئة الاستعلامات، الباب الخلفى لانعدام الكفاءة، والفشل المروع فى تأدية الدور الذى تأسست من أجله، وهو التواصل مع الخارج، ومخاطبة الدوائر السياسية فى مختلف دول العالم، والغربية والأمريكية على وجه الخصوص، وما حدث عقب ثورة 30 يونيو، وبيان 3 يوليو، من غياب تام لقدرة الدولة المتمثّلة فى هيئة الاستعلامات، على التواصل، وإظهار حقيقة ما حدث فى مصر، وشرح الأوضاع بكل قوة لوسائل الإعلام الدولية، إلا أنها ثبت فشلها، وأن آلة الإعلام والتواصل الإخوانية سحقت هيئة الاستعلامات، نتيجة أن الهيئة رفعت شعار التعيين بالواسطة، والتوريث، وإبعاد أهل الكفاءة.
هيئة الاستعلامات، ميزانيتها أيضا كبيرة للغاية، وحجم الأجور مرتفعة جدا، والنتيجة صفر كبير، ولا يمكن أن نتجاوز إذا أكدنا أن مبنى ماسبيرو، وهيئة الاستعلامات، يعدان نزيفا خطيرا لميزانية الدولة، وأن مرتبات الآلاف من الموظفين والعاملين من جيوب دافعى الضرائب، نستطيع أيضا أن نؤكد أن ماسبيرو، وهيئة الاستعلامات، على سبيل المثال لا الحصر، تحولا إلى مؤسسات وجمعيات أهلية، تصرف الرواتب على شكل إعانات لأشخاص لا ينتجون شيئا، وبالقياس على معظم المؤسسات، فإن الأمر لا يختلف كثيرا، طرد الكفاءات، والإبقاء على أنصاف المواهب، والنتيجة دمار، إذن فى مصر ليس البقاء للأصلح، ولكن البقاء لله سبحانه وتعالى، بعد تخريب وتدمير كل شىء، نحتاج ثورة عارمة للإصلاح، وإعادة الهيكلة، وربط الأجور بالإنتاج، فلا يعقل أن يطلب عمال مصانع وشركات قطاع عام خاسرة، مكافآت أرباح، وحوافز إنتاج، فهل يستقيم ذلك مع أبسط قواعد المنطق؟!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة