وأخيرا قررت السلطات السويسرية أن ترحم المصريين وخيالهم الجامح وتفاؤلهم المبالغ فيه، وقررت إعلام المسؤولين المعنيين فى المحروسة أنها أوقفت جميع تحقيقاتها بخصوص الأموال المهربة الموجودة فى البنوك السويسرية قبل وأثناء ثورة 25 يناير، ووقف تتبع أصول الأموال الخاصة بمبارك ونجليه وأفراد نظامه، وكذا الطريقة التى دخلت بها هذه الأموال. باختصار، مبارك ورجاله الذين استطاعوا الهروب بعد الثورة الأولى، أو الذين بقوا على التراب المصرى حتى نالوا البراءات تلو البراءات، يستطيعون الآن وهم يضحكون من تفاؤل المصريين وأمانيهم، أن يتمتعوا بحرياتهم كاملة وبكل جنيه أو دولار أو يورو أو فرنك استطاعوا انتزاعه من قوت المصريين، وتهريبه عبر الأوف شور أو قانون الاستثمار أو حتى الحقائب السيادية التى لا تخضع للتفتيش.
رغم ذلك، تبقى عدة أسئلة مثل الغصة فى الحلق حول هذه القضية التى تنال من كرامة شعب بأسره، أولها ماذا كان يفعل جهاز الكسب غير المشروع واللجنة التنسيقية لاسترداد الأموال المهربة خلال السنوات الماضية؟ وكيف لم تسطع الحكومات المتعاقبة أن تستوفى الحد الأدنى من المعايير التى تدفع السلطات السويسرية وغيرها من الأنظمة الأوروبية للاستجابة لإرادة شعب يسعى لاسترداد حقوقه المنهوبة؟
أهو الفساد فى الدولة العميقة المسيطرة، والتى تلتف مثل أذرع الأخطبوط على كل أجهزة الدولة وتعمل على حفظ مصالح السادة المنتفعين من أيام دولة مبارك وحتى الآن؟ أهو الجهل القانونى والقضائى الذى يجعل من المناصب الرفيعة والمكاتب الفنية المتخصصة مجرد كراسٍ فارغة يشغلها غير المؤهلين بما يكفى لارتكاب الكوارث وتضيع الحقوق؟ أم هو الإهمال الجسيم الذى يجعل من المسؤول غير مهتم وغير مبال لعدم وجود المحاسبة الفعلية والرقابة الفعلية على أدائه؟
ربما كنا نعانى خلال السنوات الماضية من تجريف الخبرات والكوادر، حتى إذا قامت الثورة وتم الفرز، لم نجد من بين الصابرين على أرض المحروسة رجالا يتولون كل المناصب ويدافعون عن الثغور وما أكثرها، بكفاءة وصلابة وخبرة، لكن ما نتعلمه من دروس خلال الفترة الراهنة لابد وأن يعلمنا كيف نرتب أوراقنا، ونستعد لمعارك فاصلة مع الفاسدين والمجرمين ومن يساندونهم نضحك فيها أخيرا، ومن يضحك أخيرا يضحك كثيرا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة