فعل الخير جميل ورائع ولكن إعلانات التبرع للمستشفيات فى رمضان، أصبحت مثل الشحاذ الذى يقطع ذراعه أو يربط رأسه بالشاش والميكركروم، ليستدر عطف الجمهور ويسحب من جيوبهم ما يجودوا به، وتحولت إلى بكائيات تجلب الحزن والغم وتفتت الصخر فى القلوب، كالطفلة المشوهة محروقة الوجه التى تؤكد ببراءة أنها ستعود أحسن من الأول، والطفل الذى يكلم أمه ثم نكتشف أنها ماتت بالسرطان وغيرها من المآسى الإنسانية، فأصبحت المسألة برمتها تحتاج إلى إعادة تنظيم، فهذه الأموال التى يتبرع بها الناس عن طيب خاطر، يجب أن تسهم فى تنمية فعل الخير فى القلوب وليس التسول والشحاذة والترويع وحسنة لله يا محسنين، ونشر ثقافة المشاركة والتكافل وتشجيع المبادرات الإنسانية، وليس التنافس المسعور باستخدام أوجاع المرضى وآلامهم.
التبرعات يجب أن تتم بشفافية وتحت الرقابة والإشراف، منعا لوقوع عمليات احتيال أو نصب أو توجيه الأموال فى غير الأغراض التى جُمعت من أجلها، وأقل شىء يمكن عمله هو أن تحصل على موافقة وزارتى الصحة والشؤون الاجتماعية، بعد التأكد من طبيعة الخدمات التى تقدمها، وعدم إهدار أموال فى أنشطة مستترة كالمرتبات التى تدفع بعشرات الآلاف من الجنيهات للعاملين والأطباء، أو فى أمور غير شرعية مثل تمويل الأنشطة المشبوهة، وهناك جمعيات بعينها تجمع أموالا طائلة وتتجه إليها أصابع الاتهام بدعم الأنشطة الإخوانية، خصوصا أثناء اعتصام رابعة والنهضة.
الناس لا يثقون فى الحكومة ولا يتبرعون لها، وعندهم حق بسبب سمعتها السيئة فى عشرات التجارب السابقة، ولا يعلم أحد حجم التبرعات التى تم جمعها فى سنوات سابقة ولا أين ذهبت؟، ولا نريدهم أن يصدموا ويفقدوا الثقة إذا تبين أن إحدى الجهات التى يتبرعون لها تفعل مثل الحكومة وتأكل أموالهم، وتحقيق هذه الأهداف لا يكون بالمنع أو القيود، وإنما بقواعد وإجراءات بسيطة وميسرة تبنى الثقة، وتشجع أهل الخير للتبرع بأموالهم وزكاتهم، وهم واثقون أنها فعلا لعلاج مريض أو كفالة يتيم أو صدقة جارية، ولو تحقق ذلك سيكون متوسطو الحال أكثر سخاءً من رجال الأعمال الذين يكنزون الملايين والمليارات، ويبخلون على المتاجين والمرضى والفقراء، ولن تكون الجهات المحتاجة مضطرة إلى إعلانات التسول بالمرضى.