كل يوم أفجع فى صديق أو ابن لصديق يموت على الطريق وهو فى ريعان الشباب.. فلى صديق مهندس اسمه ناجح فجعت لفجيعته وهو يتلقى خبر موت ابنه على الطريق الشرقى «أسيوط- القاهرة» فى أول أيام رمضان.. وبدلاً من أن ينشغل مع أسرته فى الذكر والدعاء قبل إفطار المغرب والاجتماع على فرحة هذا الشهر الكريم.. إذا به ينشغل مع كل أحبابه فى إنهاء إجراءات تسلم جثة ابنه الشاب سواء فى النيابة أو المشرحة.
ولى صديق آخر «لواء» فجع منذ أيام فى زوج ابنته الشاب الذى ترك زوجته الشابة وهى تنتحب من البكاء.. ولا تدرى ماذا تفعل من هول الصدمة.
وشاب ثالث من بلدتى وصلنى خبره اليوم وأسرته تكاد تنفطر عليه من الألم والحزن.
لقد جربت هذه المآسى كلها وأنا صغير حينما صدمت سيارة نقل شقيقى الذى كان يكبرنى مباشرة وكان متفوقا جدا فى دراسته والذى لم يمح أبدا من ذاكرة أمى حتى بعد أربعين عاما من وفاته.. إذ ظلت تذكره حتى ماتت.. رغم ما كان لديها من الأولاد والأحفاد.
ويالك من منظره وهو ملقى فى عرض الطريق مضرجا بدمائه وقد وضع عليه الأهالى أوراق الأشجار.
لقد كان يوماً عصيباً جداً على أمى وأبى وعلى أسرتنا التى قطعت الطريق من البيت حتى موقع الحادث عدوا نساءً وأطفالا وشبابا.. إننى أشعر بكل أسرة يصيبها ما أصابنا قديما.
فيا ويل مصر من أحداث الطرق ومصائبها.. ففى كل عدة أشهر تفجع مصر كلها بحادث بشع يهزها كلها من إسكندرية لأسوان.
أما الأسر ففى كل يوم تفجع أسرة فى أبنائها.. المئات يموتون على الطرق دون حل لهذه المشكلة.. والسائقون يتسابقون وخاصة فى رمضان إما لإدراك الإفطار أو السحور.. وكأنهم لو أفطروا بركاب الحافلة أو الميكروباص أو تسحروا فى الطريق خارج البيت فستحدث الكارثة.
وبعض الذين ماتوا من حوادث الطريق التى وقعت هذه الأيام فى رمضان كانوا يركبون سيارات ملاكى.. ولكن الكل حولهم يجرى ويتسابق.. وخطأ سائق واحد يمكن أن يدمر عدة سيارات ويتسبب فى موت الكثير وكلهم شباب وللأسف.
لقد فكرت طويلاً فى أمر الذين يموتون فى هذه الحوادث، وأقول لتلاميذى دائماً «إنه لو جاز القياس الفقهى لمثلى لقست هؤلاء على الشهداء الذين ذكرهم الرسول، صلى الله عليه وسلم، فى حديثه الشهير الذى نص فيه على أن «الغريق شهيد» و«المبطون شهيد» وهو الذى مات بالأمراض المزمنة الباطنية مثل الكبد والاستسقاء والفشل الكلوى ونحوها و«صاحب الهدم شهيد» وهو الذى تهدم عليه البيت ونحوه.. وأنا أعتقد جازماً أن الذين يموتون فى حوادث السيارات يلحقون بهؤلاء الشهداء لما يصيبهم من أهوال أشد من أهوال الغرق والهدم ونحوه وأشد من أهوال الحرب.
إن مأساة مصر فى حوادث الطرق خطيرة جدا، ففى طريق واحد فى مصر هو طريق الإسكندرية مطروح انقلبت منذ أيام سيارة ميكروباص كانت تجرى بسرعة الصاروخ فمات 4 من ركابها وأصيب الباقون.
وفى لحظه واحدة من العام الماضى فى شرم الشيخ قتل 33 وأصيب 41 فى طريق شرم الشيخ إثر تصادم أتوبيسين.. ولا يكاد يمر شهر واحد دون أن يحدث حادث مرورى ضخم فى مصر.
وتعد مصر هى الأولى فى عدد ضحايا حوادث الطرق فى العالم كله حسب منظمة الصحة العالمية.. إذ يبلغ عدد ضحاياها فى مصر 13 ألف قتيل و60 ألف مصاب.
وتعتبر منظمة الصحة العالمية، أن معدل الوفيات فى حوادث الطرق فى مصر مرتفع جدا جدا بالنسبة لغيرها.. وأن 80% من هذه الحوادث سببها بشرى.. أى سببها الإنسان المصرى نفسة الذى يختلف تماما عن السائق فى بلد مثل دبى مثلا.. سواء فى السرعة أو الالتزام بإشارات الطريق أو استخدام وسائل الأمان مثل الحزام.
فالمصرى بطبيعته لا يحب التقيد بشىء ولا الانضباط بالقوانين حتى وإن كانت نافعة له ومنقذة لحياته.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة