لا يمكن تجاهل ردود الأفعال الشعبية والاجتماعية على إعلانات التبرع الرمضانية فى الفضائيات، مئات المؤسسات والمراكز الطبية والاجتماعية فى حاجة لتمويل، لكن ينجح فقط من يمكنه الدعاية ومن يدفع. ومع تقدير نيات وجهود المؤسسات الأهلية، لا يبدو هذا التزاحم من المنظمات هو الطريقة الأفضل، لكونها تنقل صورة سلبية عن مجتمع تقوم كل الأنشطة فيه على الاستجداء، وكأنه لا توجد مؤسسة واحدة تقوم بدورها، وهو أمر ينسف أى حديث عن تنمية أو تقدم اقتصادى، مادامت لا تنعكس هذه النتائج على المجتمع، فلو كانت المؤسسات الاقتصادية والاستثمارية الناجحة تقوم بدورها وتخصص جزءًا من أرباحها لرعاية العاملين صحيًا واجتماعيًا ما وصل الحال إلى هذه الدرجة من التردى.
ثم إن الكثير من المؤسسات تنفق من أموال التبرعات على الدعاية لجمع تبرعات جديدة، والمؤسسات التى تنجح فى الدعاية والتسويق هى التى يمكنها جمع أكبر قدر من التبرعات، بينما المؤسسات والمستشفيات التى تعجز عن دفع قيم الدعاية تبقى فقيرة، بالرغم من أنها تقدم خدمات مجانية.
هناك أمثلة لمراكز ومؤسسات صحية كبرى تقدم خدمات مجانية، لكنها تتلقى تبرعات أقل، لكونها لا تسوق نفسها، أو يمنعها القانون من الإنفاق على الدعاية لأنشطتها، وأبرز مثال المعهد القومى للأورام الذى يقدم خدماته المجانية لعشرات الآلاف سنويًا، والذى يعانى من نقص حاد فى التمويل، ولا يقارن حجم التدفقات الخيرية عليه بما يذهب لمؤسسات أخرى تجيد الدعاية، ومثله عشرات المستشفيات الجامعية على مستوى المحافظات، تواجه واقعًا شديد الصعوبة فى تقديم خدماتها الصحية فى ظل نقص شديد بالتمويل، وميزانيتها أقل من واحد على عشرة من احتياجاتها، ولا تجد تبرعات، لكونها لا تملك من الأموال أو القدرات ما يسمح لها بالدعاية والتسويق.
وهذا يجعل أحوال المؤسسات الصحية خاضعة لمقولة «اللى ممعهوش مايتبرعولوش»، ولأن الناس لا تسمع ولا تعرف عن هذه المؤسسات شيئًا، ونضرب أمثلة بمعاهد علاج الأورام فى المحافظات، مثل الغربية وأسيوط، ومراكز الكبد والكلى، والمستشفيات الجامعية فى المحافظات، كلها تحتاج إلى موازنات لتعمل، ولعل هذا الأمر كشفته حالة معهد القلب، وأمثاله من مراكز يفترض أنها تقدم خدمات عامة، وليست لديها موازنات.
ويعيدنا كل هذا إلى السؤال: لماذا لا يكون هناك تنظيم واضح لنظام التبرعات والجهود الأهلية، يضمن نوعًا من العدالة فى توزيع هذه الأموال؟، وما الضوابط التى تضمن الاستفادة القصوى من كل مليم يتم تجميعه، وألا يكون المال عرضة للتوظيف الدعائى والإعلانى؟
الأمر فى حاجة لإعادة دراسة، ووضع قواعد للمراقبة، وتنظيم التبرعات الأهلية، حتى يمكن ضمان العدالة فى توزيع الجهد الأهلى.. والملف ما يزال مفتوحًا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة