"لم يكُن يدرى ما يمكنه أن يفعله مع ذٰلك الإنسان؛ فهو شخص آثر أن يحمل إليه عداءً لا يدرى سره. حاول فترات طويلة أن يجد الأسباب والمبررات ولم يَفلح. وفى حِيرته، لمحت عيناه النار تندلع فى بعض وريقات قليلة؛ فأسرع بكوب الماء يطفئ لهب النار. وهنا توقفت يداه وأدرك أن النار لا يطفئها إلا الماء. ابتسم! وقد أدرك أن العداء لن ينتهى إلا بالحب".
ضدان نلتقيهما فى الحياة، مَثلهما مَثل الحياة والموت: إنهما "المحبة" و"الكراهية"؛ لكل منهما طريق يختلف تمامـًا عن الآخر فى المعالم الداخلية، وفى النهاية التى يصل إليها سائرو كل طريق. وعلى كل منا أن يختار: إما طريق المحبة، وإما طريق الكراهية؛ وأن يتحمل تبعات كل طريق. يقولون: "الكراهية تشل الحياة، والحب يُطْلقها. والكراهية تُربك الحياة، والحب ينسقها. والكراهية تظلم الحياة، والحب يُنيرها.". وهٰكذا، فإن الكراهية هى رفيق الموت والدمار، والحب صديق الحياة والبناء.
وقد يجد كثيرون أن المحبة علامة ضعف فى زمننا الحاضر، وأن البشر لا يقيمونها بأسلوب صحيح، وقد يكون لديهم مبرراتهم بسبب ما مر بهم من تجارب وآلام. لٰكن من يعرِف المحبة الحقيقية، يعرِف أن طريقها غير ممهد بالزهور أو السعادة، بل هو طريق يزرع فيه الإنسان بُذور المحبة بصبر وتأنٍ، فتُحوِّل بذاره النامية شيئـًا فشيئـًا الطريق القاحل إلى طريق آخر ممهد يمتلئ بالأشجار والثمار يُبهج العيون، ويفرِّح القلوب، ويُضفى سعادة حقيقية على الحياة.
ويجب أن يدرك الإنسان مسئوليته عن نشر المحبة أو بث الكراهية فى العالم بتصرفاته؛ ومن ثَم تحويله إلى عالم جيد أو سيئ. يقول الكاتب البرتغالى "بيسوا": "نعذب إخوتنا من البشر ببغضنا، بخبثنا، وحقدنا، ثم نقول بعد ذٰلك إن العالم سيئ.". إن ما ينتشر فى العالم من شرور ليس إلا نتاجـًا لِما زرعه البشر؛ ولن يحصِدوا إلا نتائج زرعهم تلك الشرور. فحين تزرع الحب، لن تحصِد إلا المحبة وإن تأخرت ثمارها. وإن اخترتَ الكراهية، فلن تجد إلا أشواكها فى طريقك.
إن كنتَ تبذُل من أجل المحبة، فثمار بَذلك تُحفر فى حياة البشر وإن أنكروها!
إن كنتَ تتألم من أجل المحبة فى احتمالك لمواقف الآخرين وتصرفاتهم، فسيتحول الألم إلى قوة تدرب قلبك على الاتساع حتى تستطيع أن تحمل محبة لجميع البشر.
متى وجدتَ كراهية من الآخرين، فلا تتوقف عن محبتك؛ لأن الكراهية لا تُوقفها الكراهية بل المحبة؛ كما يتوقف اشتعال النار بالماء لا بالنار. يقولون : "لا يمكن طرد الظلام بالظلام، الضوء هو الوحيد الذى يُمكنه هٰذا. وهٰكذا لا يمكن طرد الكراهية بالكراهية. الحب، فقط، هو من يمكنه فعل هٰذا".
وتذكر دائمـًا وأبدًا: أن من يختار المحبة، قد اختار خيره وراحته وسعادته. ومن اختار الكراهية، فقد اختار أن يظل دائمـًا فى ظلام الموت. ولا تدَع المواقف تُبعدك عن الطريق الذى اخترتَه لنفسك؛ فما لديك من عمر أثمن من أن تفقده فيما هو هدام وسلبى.
* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة