على أحد مواقع التواصل الاجتماعى شاهدتم وشاهدت فيديو لشاب وشابة يقومان بشكل كوميدى لإثبات فكرة منتشرة، وهى هل الطفل المصرى أذكى طفل فى العالم؟ ويدور النقاش بين الشاب والشابة على الرصيف بشكل كوميدى كالآتى أنت عارف أن الطفل المصرى أذكى طفل فى العالم؟ 'طيب تعرف أن كل أسبوع فى طفل بيخترع جهاز والمحافظ بيكرمه!!! الشاب (على الرصيف فى الظهيرة بنظرة سخرية: أنتى بتصدقى يا بنتى الكلام ده تعالى وأنا أثبت لك.
يترددون على مدرسة أطفال فى مرحلة الإعدادية على ما يبدو، ويحمل الشاب والشابة المايك وكاميرا فيديو، والمدارس المترددين عليها لا تبدو حكومية بحتة يشير إلى ذلك يونيفورم الأطفال الأنيق ومظهرهم ويختارون عينة من الأطفال عشوائى، يقومون بسؤالهم على سبيل المثال لا الحصر (قطار كهرباء متجه من الإسكندرية إلى القاهرة ماهو اتجاه الدخان الخارج من القطار؟ الى الشمال أم إلى اليمين، كم شهر فى السنة به 28 يوما؟؟ النتيجة: لم ينجح أحد، لم يجب أحد وتتوالى الأسئلة التافهة، التى لا تحتاج إلى تفكير ولم يجب أحد! غير ولد واحد بعد التردد على أكثر من مدرسة وأكثر من خمسين طالبا مجتمعين.
الفيديو يبدو كوميدى لكن العينة العشوائية، التى اختارها الشباب للأسئلة لأكثر من خمسين طالبا عشوائيا مشكلة تلمع فى الأفق.
سنعيش عواقبها لاحقًا.. فلنقل إننا فى غفلة من مستوى التعليم ومستوى المناهج ومستوى العنف ومستوى الأخلاق ولنقل إنه مازال هناك وقت، ولنقل الوقت لم يمر بعد والأمل لم ينته.
عندما أنظر إلى شعب اليابان القنبلة الذرية التى سقطت على هيروشيما لما تمنحهم وقتا، ولم تعط لهم إنذارا بأنها ستُيتم أطفالهم وتهدم مدارسهم، وتسلبهم أرجلهم وأطرافهم، ومن تبقى سيتبقى تحت الأنقاض بلا مأكل أو مأوى أو منزل أو مكان للعيش يصلح حتى لحيوان يحيا فيه، هذا المثال وهذه الدولة تحديدا اخترتها لأزرع الأمل وأشرح حتى من الدمار والعدم من لاشىء مازلنا نستطيع.
لا أعلم كيف تحمل هؤلاء تلك الظروف القاسية التى أودت بكل حياتهم، إن لم أكن أبالغ فى وصفي؟ ما الذى حملهم على القيام من تحت الرماد لينهضوا مرة أخرى عمالقة يجبرون العالم على الاعتراف بهم؟. إنك إن أمعنت التفكر فى أمرهم ستدرك أن لهم هما وهدفًا وحدوا قلوبهم وعقولهم عليه.
إنهم عرفوا أن الحروب طاحونة كل من يدخل غمارها خاسرٌ لا محالة، وأمة كاليابان لها تاريخ طويل جدًا فى الحروب مع من جاورها من الشعوب، الحروب أيضا كانت داخلية بين العشائر اليابانية المختلفة، وقد بلغوا فى استرخاص الدماء مبلغًا عظيمًا..
وما فنونهم القتالية إلا نتيجة لهذه الحروب الطاحنة بين القبائل، وللبيئة الخطرة التى عاشوا فيها، لدرجة أصبح السيف فيها جزءًا من الزى التقليدى!. شىء أشبه بحروب القبائل العربية فى الجاهلية التى كانت تقوم لأتفه الأسباب.
اليابانيون طرحوا كل شىء وراءهم بعد الحرب، وفرغوا أنفسهم بالكامل للبناء والتقدم، عرفوا من خبرات كل هذه القرون أن الحرب والدماء والصراع على السلطة التى ظنوا أنها ستجلب لهم اعتراف العالم بهم ما هى إلا طاحونة تستغرق أعمارهم وأموالهم، فوجهوا طاقاتهم إلى العلم والبناء، فمن يسلك هذين الطريقين يجعل العالم يعترف به طوعًا أو كرهًا.
وأنت تستطيع أن تستنتج أول ما وضعوه أمام أعينهم هو التعليم، ثم بعدها حدثنى عن صناعة وزراعة وتقدم اقتصادى، وأمان فكرى وسلم!. ونحن نرى نتائج أساليبهم التعليمية واضحة جلية فى المنتجات اليابانية، التى تغزو الأسواق ونشتريها بكل ثقة وسعادة، بل ربما فى قصص أصحاب تلك المنتجات عبر أكثر، فكلمة يابانى على المنتج تكفى عقلك ليستحضر كل معانى الإتقان والكمال.
!.فى معظم البلاد العربية لا يوجد حركات إصلاحية للتعليم، ليس هناك منهج سليم يسير عليه أجيال تحترمه وتتذكره لا تنساه بمجرد الخروج من لجنة الامتحان.
هل هناك من يضع مناهج بهدف الارتقاء بمستوى الطالب الفكرى، ليس من باب الحشو والتكديس والتعتيم وتضيق الخناق؟ أذكر مادة التاريخ وانا فى الصف الثالث الإعدادى ومادة الفيزياء فى الثانوية العامة (نموذج جيد للحشو).
أشركنى فأنا لدى عقل (عبارة لا أنساها كانت شعار لحملة على جدران احد المدارس فى واشنطن) كناية عن اشراك جميع اطراف المشكلة فى المشكلة وأن نهمل أسلوب التلقين فى جميع المؤسسات (فالطالب يجب أن يشارك فى شرح المعادلة أو الدرس من خلال طرح أفكار! أو أسئلة محاولة حل معادلة بطريقة مختلفة على سبيل المثال لا الحصر.
هل هناك من يغير من طرق التدريس التقليدية ليحبب الأطفال فى الدراسة بدلا من تعذيبهم؟ (افتحوا الكتاب على الصفحة الفلانية لأنها موضوعنا اليوم، وأخرجوا الكراسات واكتبوا فى الصفحة، وكثير من الكلام الرتيب الممل الذى يبعث على النعاس، لذلك كانت توضع حصص الرياضيات التى كنت أنا أكرهها بشدة وأكره مدرسها أكثر بمراحل فى أول اليوم الدراسى ليس لتنشيط أذهاننا، بل ليلحقوا بنا الطلاب قبل أن ندخل فى سبات نوم عميق لباقى اليوم.. قبل كل شىء وكل مأرمى إليه نحتاج إلى استبدال جذرى لكل المناهج، التى نشأنا عليها، فهى خاطئة ومضيعة للوقت والجهد وأنا ودفعتى بالكامل لا نتذكر منها شيئا، هذا إن أردنا أن نواكب العالم، لا أعلم ما المانع من الإتيان بمناهج ماليزيا أو البرازيل أو المناهج الألمانية وترجمتها أو تعريبها والعمل بها بدلًا من إهدار المال والوقت، وصولًا إلى حملات توعية بأساليب التربية فى بيوتنا، تلك الأساليب التى تخرج علماءً أو تخرج أشباه رجال أو مسوخًا مشوهة لاهم لها إلا أكلهم ونومهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة