ناجح إبراهيم

انفلات اللسان المصرى

الخميس، 04 يونيو 2015 12:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى طريقى اليومى إلى العيادة أسلك طريقا يستغرق منى أكثر من ساعة أركب فيها مواصلتين وأمرّ بعدة ميادين ومواقف لسيارات الميكروباص وأرى مئات الناس من كل الأنواع، ومعظم الطريق الذى أسلكه يقع تحت تصنيف «المناطق الشعبية».. فأرى فى كل يوم العجب العجاب من الخناقات والتشابك بالأيدى وقصص بائسة من الحياة وأرى معظم الوجوه بائسة حزينة دون سبب ظاهر، مع عدد لا بأس به من المتسولين والمتسولات يغيرون أماكنهم وأحيانًا طريقتهم بين الحين والآخر وأكاد أحفظ كل المتسولين والمتسولات فى طريقى وأرى مئات الحالات من التعدى على الطريق العام أو القيادة بدون رخصة أو سرقة الكهرباء العمومية واستخدام أكبر أحجام اللمبات. ولكن أشد ما يفزعنى ويقلقنى يوميًا هو ظاهرة «انفلات اللسان المصرى» فما سرت فى طريق إلا وسمعت «سب الدين» عاليًا دون حياء ولا خجل وما وجدت شابين يتلاسنان إلا وكل منهما يطعن فى عرض والدة الآخر. وهناك سيل متدفق من السباب والشتم تسمعه كل دقيقة وأنت تمر فى الشارع.. حتى فى الميكروباص تجد السائق «يسب دين الطريق» إن لم يجد شيئًا يسبه ويسب دين كل شىء دون أن يشعر أنه بذىء اللسان متسفل الأخلاق. أما بعض الشباب فتراه يتحدث مع خطيبته بكدر وضيق وقد يشتمها أحيانًا بأمها وأبيها مع عبارات كثيرة من «قاموس الصياعة المصرى».. قلت لنفسى: كان الخطيب قديمًا يحدث خطيبته بأرق وأجمل المعانى ويظهر أحسن ما عنده.. فقال لى البعض: هذا أحسن ما عندهم.. أما أسوأ ما عندهم فالضرب والركل والتحشيش وبقية «الذى منه».. وما أدراك «ما الذى منه».

إننى أكاد أجزم أن هناك حالة من «الانفلات فى اللسان المصرى» على كل المستويات الاجتماعية.. بدءًا من الشاشات والإعلام والمستويات الاجتماعية الراقية ومن لغة الردح الإعلامى إلى الردح فى الحوارى والأزقة. فإذا انتقلت من هذه الحوارى إلى أزقة الفيس بوك أو التعليقات على مقالات الكتاب الكبار فى الصحافة المصرية وجدت ألفاظًا أسوأ وأبشع من لغة الحوارى ولا تستثنى أحدًا لسنه أو فضله أو علمه أو أدبه أو خيره أو أى فضيلة، فهذه التعليقات وأصحابها لا يعترفون بأى فضيلة. ويا ويل الذين لا يوالون أحدا من أطراف الصراع السياسى فهؤلاء ينالون شتائم كل الأطراف.. واللجان الإلكترونية التى بدأها الإخوان قلدها الجميع الآن.. حتى إن أحد مديرى التحرير المتميزين كتب مقالاً رائعاً فتوقعت أن يشكره المعلقون فإذا به يُذبح هو «واللى جابوه» ذبحاً بتعليقاتهم.. فاتصلت به أواسيه قال: أنا لا أقرأ التعليقات حتى أستمر فى الكتابة.. قلت له: غلطتى الكبرى قراءة التعليقات. والغريب أن بعض المعلقين الشتامين يشتمهم معلق آخر فيشتبك فريقا المعلقين معًا بأسوأ الألفاظ تاركين المقال وموضوعه تماما ويتداخل معهما آخرون لتتحول إلى حفلة «ردح وسب وشتم لا نهاية لها» فأين الموضوعية والعلمية والإنصاف والبعد عن «الشخصانية»؟!

والسؤال الآن: ألم يسمع هؤلاء وأمثالهم نداء الرسول صلى الله عليه وسلم: «أمسك عليك لسانك» أو تحذيره للناس جميعاً «وهل يكب الناس على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم»؟ ألم يقرأوا يوماً ذلك الهتاف النبوى العظيم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت»؟ ألم يسمعوا يومًا هتاف المسيح عليه السلام: «العبادة عشرة أجزاء تسعة منها فى الصمت.. وجزء فى الفرار من الناس»؟ ألم يتفكروا فى قول عمر بن الخطاب: «من كثر كلامه كثر سقطه» أو هتاف عبدالله بن مسعود: «والله الذى لا إله إلا هو ما من شىء أحوج إلى طول سجن من لسان»؟ ألم يطلعوا يومًا على حكمة داود عليه السلام: «حق على العاقل أن يكون عارفًا بزمانه حافظاً للسانه مقبلاً على شأنه»؟ وأحيانًا يأخذنى الفضول للدخول على صفحات الفيس لأصحاب الألسنة الطويلة والعقول السقيمة فأصدم حينما أقرأ بياناته التى تدل على أنه شاب صغير لا خبرة له ولا علم ولا تضحية له ولا بذل.. ولا عطاء لديه ويملك فقط الاستعداد التلقائى لشتم الكرة الأرضية كلها والطعن فى عرضها جميعا.. فتراه لا يحب أحداً ولا يمدح أحداً ولا يعجبه أحد. لقد قارنت بين هؤلاء وأحد الزهاد والعباد من السلف الصالح اسمه المنصور بن المعتمر الذى «لم يتكلم بكلمة بعد صلاة العشاء وحتى الفجر لمدة أربعين سنة».. فهالنى الفرق بين قومنا وأمثال هؤلاء. يا قوم كفوا ألسنتكم.. يا قوم طهروا ألسنتكم.. فمياه البحر كلها لا تكفى لغسل ألسنتكم.. واللسان الذى يأبى أن يتطهر فى الدنيا ستطهره النار لا محالة.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة