إبراهيم عبد المجيد

هل يمكن أن نخرج من هذا المنعطف؟

الجمعة، 05 يونيو 2015 10:07 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى تاريخ الفلسفة نوعان شهيران من المنطق، المنطق الصورى والمنطق العلمى، المنطق الصورى قدمه أرسطو وهو يقوم على التتابع الشكلى للقضايا، مقدمة كبرى ومقدمة صغرى ثم نتيجة، مثلا يمكن أن تقول «كل المصريين عرب» كمقدمة كبرى ثم تقول «النوبيون مصريون» كمقدمة صغرى وتكون النتيجة «إذن فالنوبيون عرب»، وهى طبعا نتيجة ملتبسة لأن فى النوبيين والمصريين عموما جينات مختلفة عن الجينات العربية، ويمكن أن تقول كمقدمة كبرى «إن كل المثقفين خونة» وبعدها كمقدمة صغرى «فلان مثقف» وتكون النتيجة «إذن ففلان خائن»، وهكذا، صورية هذا الاستنتاج سليمة جدا، لكن نتائجه نادرا ما تكون صحيحة، ولقد صار هذا المنطق الأرسطى دليل البشرية لحوالى ألفى سنة، وتسبب فى جمودها وجمود الحضارات حتى القرن السابع عشر حين ظهر المنطق العلمى، وهو المنطق القائم على الاستقراء، فأنت لا تستطيع أن تصل إلى نتيجة ما إلا بعد تجربة على كل من تتحدث عنهم أو أغلبهم، فمثلا لا تستطيع أن تحكم على كل الفلاحين بالصبر، ففى تاريخ مصر ثورات قام بها الفلاحون، ولا أن العمل الحزبى لا معنى له لأن الموجود منها ضعيف، فهناك أعمال لا تراها وقيود لا تدركها، وبالطبع لا تسطيع أن تقول إن الشعب المصرى يحتاج إلى ديكتاتور، أو لا يعيش إلا بالكرباج، وهى العبارة السخيفة المتداولة عند الرد على أى اتهام بالعنف من قبل السلطة، الحاصل أن المنطق الصورى هذا هو الذى يحكم حياتنا، فإذا اختلفت مع النظام الحاكم فى شىء فأنت إخوانى أو أنت ضد الجيش، اعتمادا على قضية استقرت فى الوعى، وهى الإخوان ضد السلطة الحاكمة، ومن ثم فمن يعارض السلطة فهو إخوانى، أو أن الجيش حمى الثورة، وفلان ضد السلطة، إذن هو ضد الجيش وهكذا، وطبعا العكس صحيح فإذا قلت رأيك فى الإخوان فأنت «سيسى» أو «عسكرى»، وإذا قلت رأيك فى الإرهاب فأنت شرطة وهكذا.. أتفهم أن يحدث ذلك ممن هم خارج الحكم، فالدولة المركزية منذ 1952 لم تترك الفرصة للشعب أن يصنع هو الرأى العام، وأنا لا ألوم من هم خارج السلطة فى شيوع الاتهام فهم فى وضع صعب، لكن ألوم من فى السلطة ومن يعبرون عنها لأن ذلك يجعلهم يخسرون أرضًا كل يوم، فكون المتظاهرين جميعا «إخوان مسلمين» أدى إلى حبس الكثير جدا من غير الإخوان مما تسبب فى احتقان فى المجتمع مهما بدا من سعادة على وجه الأغلبية.. من فى السلطة عليه أن يعرف أن التعميم فى التعامل فى السياسة لايجوز، أنه لا يجوز فى العلم إلا بعد تجارب كثيرة، فلا يمكن أن تقول عن دواء إنه شاف إلا بعد آلاف التجارب على كائنات حية، وإذا كان ذلك لا يصح فى العلم فكيف يصح فى المعاملات الإنسانية؟ الحقيقة المرة منذ عام 1952 أن الحاكم هو الذى يحدد كل طرق البناء والمستقبل، والنتيجة هى ما وصلنا إليه، فكرة أن الحاكم لا يخطئ وفلان حاكم فهو الأصح، هى التى وراء ما جرى ويجرى فى مصر، وليس عيبا أن يخطئ الحكام، لكن العيب ألا يتصوروا ذلك.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة