ومن هنا تحولت الصفحات الثقافية عندنا إلى صفحات للعلاقات العامة والشللية ودكاكين صغيرة للمشرفين عليها، وامتلأت بكتابات أضعف من أن تنتسب للأدب، وأقل من أن تقيم حركة ثقافية جاذبة للتيارات الأدبية الحقيقية أو حتى جاذبة للقارئ العام، كما ازدحمت بالمقالات والمتابعات المتهافتة الضعيفة التى ترضى من يقومون على هذه الصفحات ورغباتهم المرضية فى ممارسة السلطة والتحكم الزائف فيما يظنونه الوسط الثقافى، بينما الكبار والمبدعون الحقيقيون يعتزلون كل هذا الهراء، ويلجأون إلى الصفحات الثقافية ودور النشر بالخارج.
انهيار الصحافة الثقافية بعد سيطرة أنصاف وأرباع الموهوبين عليها، ونتيجة لإهمال الناشرين والمسؤولين لها قطع الحبل السرى بين الشباب الحالمين بالأدب والشغوفين بالثقافة وبين الخيال والقدوة والنموذج، فعندما تفتحت عيوننا على محبة الإبداع، كنا ننتظر الكلمات التى يكتبها أو يقدمها الكبار فى الأهرام أو المساء، وروز اليوسف وأخبار الأدب، أو نتلقف المجلات الشهرية التى كان صدورها عيدا لنا يستمر عدة أيام من القراءة والنقاش والجدل حول محتوى العدد الجديد، وما يتضمنه من إبداعات ومقالات نقدية، وكان حلما أن نصافح يحيى حقى وعبد الفتاح الجمل، أو أن يسمع لنا جمال الغيطانى أو سامى خشبة، أما الآن فلا أحد ينتظر شيئا من الصفحات المسماة ثقافيا، والبعد عنها أصبح غنيمة هربا من حرق الدم والتفاهة والاستعراض الفج.
وإذا كان قرار الابتعاد والعزوف عن الصفحات الثقافية وأمراضها يملكه المتحققون من الكتاب والمبدعين الذين لا يعدمون نوافذ وروافد للنشر والتواصل، فماذا يفعل آلاف الكتاب والشعراء الطالعين الذين يتصورون الثقافة على شاكلة ما تقدمه الصفحات الثقافية، كتابات بلا معنى، وأفكار خالية من القيمة، ليس أمامهم إذن إلا مواقع التواصل الاجتماعى بكل شوائبها وارتباكها وفوضاها.
موضوعات متعلقة:
فوضى النقد الأدبى «1»
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة