مرة أخرى تطل مصر على القارة السمراء وتعيد صياغة العلاقة مع دولها من جديد، وتستعيد عافيتها ودورها وميراثها التاريخى فى أفريقيا بعد زمن من التجاهل والإهمال والبعد والجفاء، مصر 30 يونيو تعيد حلم الآباء المؤسسيين لمنظمة الوحدة الأفريقية، وحلم الكيان الأفريقى الواحد، وهو حلم ناصر وكوامى نكروما وجوليوس نيريرى وموديبوكيتا الذى تحقق بعد محاولات مضنية فى 25 مايو 1963 رغم مقاومة الاستعمار القديم.
استضافة مصر القمة الثالثة لمؤتمر التكتلات الاقتصادية الأفريقية الثلاثة، الكوميسا والسادك واتحاد شرق أفريقيا التى تضم 26 دولة أفريقية من بينها جميع دول حوض النيل فى شرم الشيخ خلال الأيام الحالية، ملمح وصفحة سياسية مهمة فى العودة من جديد للدبلوماسية والرئاسة المصرية إلى أحضان القارة الأفريقية، إحدى الدوائر الاستراتيجية الثلاث للسياسة الخارجية المصرية منذ نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، إلى جانب الدائرة العربية والدائرة الإسلامية.
ورغم أن دولة أفريقية كبيرة تنافست مع مصر لاستضافة القمة الثالثة، فإن تحركات القاهرة وإصرار الدول الـ26 وموافقتها على عقد القمة فى شرم الشيخ جاء تقديرا ومحبة وثقة فى مصر واعتزازا بدورها التاريخى، وبعد أن تأكد الأفارقة أن مصر الجديدة لديها النية الصادقة والعزم على العودة القوية ونفض غبار الإهمال عن دورها القيادى والريادى فى القارة، ولكن هذه المرة بممارسة الدور بفاعلية وليس مجرد إرث أو ميراث من الماضى ومن منطلقات عصرية جديدة مبنية على التعاون المشترك والمصالح والاستفادة المشتركة.
من هنا تأتى أهمية قمة التكتلات سياسيا واقتصاديا واجتماعيا فى شرم الشيخ وتوقيع اتفاقية منطقة التجارة الحرة الأفريقية، فنحن نتحدث عن سوق استهلاكى عدد سكانه 625 مليون نسمة ويفتح أبوابه على مصاريعها أمام المنتجات المصرية وزيادة حجم التجارة البينية، فمصر هى الاقتصاد والطاقة الإنتاجية الكبرى بين دول التكتلات الثلاث، وبالتالى هناك فرصة هذه المرة لإزالة القيود والعراقيل الجمركية وتوحيد التعريفة وإلغاء رسوم الواردات، وضمانات الائتمان البنكى ورسوم الشحن والنقل، وهى الشكاوى الدائمة لرجال الأعمال المتعاملين مع أفريقيا، هذه المرة الفرصة سانحة لعودة الدور فى أفريقيا وإحيائه كاملا بعد إعادة توجيه البوصلة الخارجية إلى وضعها الصحيح إلى أفريقيا وإطلالة وجه مصر بملامحه الأفريقية على القارة السمراء، وأظن أن القيادة المصرية الجديدة لن تدير ظهرها لأفريقيا مرة أخرى، فقد تعلمنا الدرس.