فى قصص الحب الخالدة والمتفردة، دائمًا ما يساوى الحبيب وطنًا بأكمله.. من هذا المبدأ تشكلت ملامح قصة الحب فى مسلسل «حارة اليهود» بين على الضابط فى الجيش المصرى - يجسده إياد نصار - وليلى، الفتاة اليهودية - تجسدها منة شلبى - وهى الفتاة الرقيقة، رقيقة الإحساس ذات الجسد النحيل الذى يشبه الفراشات، وتعتبر أن على جارها فى السكن توأم روحها، هو تجسيد لمعنى كلمة وطن، لذلك عندما ضاع أملها فى استرجاع على رغم محاولاتها المستميتة فى طلب العفو، ظلت تقاوم الاكتئاب والمرض والصد والرفض، ولكن عندما اكتشفت فى لحظة غيرة وضعف أن على الذى يجلس فى منطقة خاصة لديها، حيث تراه متفردا وكبيرا ولا يشبه أحدا، أصبح إنسانًا عاديًا مثل باقى البشر، وقع من نظرها، ومع سقوط على، انكسرت روحها تمامًا وضاع الإحساس بالوطن وبالأمن والأمان، وفى لحظة ضعف وخوف من مجهول لا تعرفه، قررت الانصياع لرغبة شقيقها موسى فى الذهاب إلى «دولة إسرائيل»، الحلم الذى يروج له موسى وأمثاله، لعلها تجد الوطن أو تستعيد إحساسها بالأمان.
بعيدًا عن الأخطاء التاريخية «الفادحة»، والمغالطات التى رصدها الكثير من الكتاب والمؤرخين، وبعض من اليهود الذين عاشوا فى مصر، إلا أن مسلسل حارة اليهود فى نظرى هو قصة الحب تلك، والتى تعكس معانى إنسانية شديدة الرقى، بات من الصعب على مجتمعانا تقبلها أو التعايش معها، وهى القصة التى ذكرتنى بالعديد من الأفلام التسجيلية عن اليهود الشرقيين، الذين هاجروا إلى إسرائيل، ولا يزالوا يحملون وطنًا آخر داخلهم، سواء كانوا اليهود المصريين، أو العراقيين، أو الشوام.. كانت شهادتهم فى معظمها تتركز على الإحساس بـ«الفقد»، بمعنى افتقاد المعنى الحقيقى لـ«الوطن» والذكريات «كوباية الشاى فى العصارى.صوت الست أم كلثوم. قعدة القهاوى فى شبرا وغيرها من الحارات الشعبية».
لحظات الفقد هذه أرخها البعض أيضًا فى كتب حول العالم.. وهى الشهادات التى أكدت فى معظمها، أنهم كانوا يعيشون فى بلدان تعطيهم كل الحقوق ولكنها ليست بوطن، فمصر كانت هى الحب الأول والذكريات، ومن هذه الشهادات، شهادة «مادا ماير» التى قابلها الدكتور محمد أبوالغار فى جنيف، وسجل شهادتها فى كتابه، حيث قالت: «إن قيام إسرائيل هو السبب المباشر لكل المشاكل، وقالت: إنه لم يسئ أحد معاملتهم أثناء مغادرة مصر».تلك المعانى الإنسانية جسدتها منة شلبى بمهارة شديدة، بعدما تكشف لها البعد العنصرى لدولة إسرائيل المعتدية، وهى تصرخ بصوت مبحوح «رجعونى مصر، رجعونى بلدى،عايزة أرجع مصر».
وتتوالى المشاهد الدرامية بعد ذلك لتكشف معاناة ليلى، فالقائمون على تأسيس «حلم الدولة الإسرائلية» لا يرون فيها سوى جاسوسة، لذلك تتعرض لأقسى أنواع التعذيب، من الضرب والصعق بالكهرباء وحلق شعرها، وهى المشاهد التى تألقت فيها منة شلبى، وأدتها بعفوية تعكس كل الصراعات التى بداخلها،«صراعها مع نفسها، وبحثها عن وطن بديل، أقصد حب بديل، وتأكدها فى نهاية رحلة سوادوية بأن مصر هى الوطن وعلى هو الحبيب وهارون هو الأب» تلك المعانى التى جسدتها بمهارة وهى تستدعى صورًا تبدو كالومضات فى «فلاش باك» لعلى والحارة والأم ووالدها.
ليلى التى يتوسط والدها - رغم إهانته من تلك اليهودية الصهيونية الثرية - تجسدها ليلى عز العرب، والداعمة لإسرائيل - فى الإفراج عنها، مؤكدًا أن ليلى لا يمكن أن تكون جاسوسة، تعود حاملة حقيبتها بعد أن يتم تسليمها إلى أقرب نقطة حدودية مصرية، تعود وهى متهمة بالجاسوسية من قبل الإسرائليين، وأيضًا مشكوك فيها من قبل الجهات المصرية، التى تخشى أن تكون مدسوسة عليهم، ليلى تقف عالقة فى منطقة رمادية هى وحقيبتها، لا أعرف ماذا تحمل الحلقات المقبلة، ولكن «ليلى حارة اليهود» هى تجسيد للكثير من معانى القهر الإنسانى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة