المشهد الذى شد انتباهى فى حادث تفجير القنصلية الإيطالية، هو العدد الكبير من المواطنين الذين احتشدوا فى موقع التفجير، يعنى ده شعب ملوش حل ولا يعرف الخوف، ولا يأبه بالخطر ولا السيارات المفخخة والقنابل، ورغم احتمال انفجارات أخرى فى المنطقة، فإن الناس أصروا على مساندة قوات الأمن، والهتاف لمصر وإدانة الإرهاب والتنديد بالجماعة الإرهابية، ونادرا أن تجد مشهدا كهذا فى أى دولة، حيث تخلو الشوارع ويصاب الناس بالذعر إذا وقع حادث أقل بكثير من التفجيرات التى تشهدها مصر.. يعنى رسالة الإرهابيين للشعب المصرى أخطأت العنوان وضلت الطريق، فلا يأس ولا جلوس فى البيوت ولا ذعر ولا إصابة الحياة بالشلل، فالمرور عاد لطبيعته بعد نصف ساعة وكأن شيئا لم يحدث.
وإذا كان الهدف من الحادث هو الإيحاء للمجتمع الدولى، بأن السفارات فى مصر غير آمنة ومعرضة للخطر، فهى أيضا رسالة عديمة الجدوى والأثر، وأتت بنتائج عكسية بعد الإدانات المتعددة من دول العالم، وتأكيدهم على مساندة مصر فى حربها ضد الإرهاب، والمتتبع لعمليات تفجير السفارات التى تجتاح العالم، يتأكد أن أوضاعها فى مصر تتمتع بدرجات عالية من التأمين، فأمريكا بجلالة قدرها هى أكثر دولة تتعرض سفاراتها للإرهاب، ولم تفكر فى سحب سفرائها وبعثاتها الدبلوماسية، ولعل حادث القنصلية الإيطالية الذى هو الأول من نوعه، يكون بداية حقيقية لسد الثغرات الأمنية، وإعلان حالة التأهب واليقظة وتضييق الخناق على الجماعات التى تعمل تحت الأرض.
لا يمكن للإرهاب أن ينتصر على دولة، ولن يستطيع الإرهابيون أن يقهروا شعبا، وكلما تعددت جرائمهم ارتفعت جدران الكراهية والتصميم على تطهير البلاد من خلاياهم، وزادت درجات الجرأة والشجاعة والمواجهة، والمصريون يدركون أنها حرب النفس الطويلة، ويعلمون أنه عدو جبان يفتقد شجاعة المواجهة، ويلجأ للعمليات القذرة والعودة لجحور الفئران تحت الأرض، وليس جديدا عليهم ذلك، فقد سبق لهم أن قتلوا السائحين فى الأقصر وفجروا مقهى وادى النيل، واستشهد فرج فودة ورفعت المحجوب والطفلة شيماء، وانتصر الشعب لأنه يريد الحياة، وقدر مصر أن تخوض معركة جديدة أكثر شراسة وعنفا، فى ظروف محلية وإقليمية شديدة الصعوبة والتعقيد، ولكن النصر آت لا محالة.