طلب هذا الصديق أن يتحدث معى وقال بالحرف الواحد إنه لم ينم ليلة الأمس من فرط قلقه على مصر، التى يحبها حباً جماً فقلت له وماذا يقلقك؟ قال أخشى على مصر من أن تنساق تحت أية إغراءات لإرسال جيشها لمساعدة الليبيين فى صراعهم ضد بعضهم البعض، وأضاف أنه كعسكرى سابق يعرف أنه من السهل بدء أى حرب أو التورط فيها، ولكن من الصعب إنهاءها بسرعة واستطرد أنه لو حدث ذلك لا قدر الله فقد يؤدى ذلك لإنهاك مصر سياسيا واقتصاديا وعسكريا كما حدث مع مصر عبد الناصر بتدخلها فى اليمن، وكما قد يحدث مع قوات التحالف فى عاصفة الحزم إذا طالت الحرب، وقد حدث ذلك أيضا مع القوات الباكستانية والأمريكية فى افغانستان التى ظلت لعدة سنوات تستنزف البلدين وطلب منى أن أكتب مقالا فى هذا المعنى أو أن أبلغ هذا التخوف للمسئولين فى مصر بأية طريقة ممكنة.
عقبت على ما ذكره الصديق الخليجى قائلا له اطمئن فإن قراءتى لمواقف مصر وخاصة القيادة السياسية والعسكرية فى مصر الآن إنها مدركة تمام الإدراك لمثل هذه المخاطر وما يحتمل أو حتى يخطط لها من قبل قوى دولية أو أقليمية أضفت أن تاريخ العسكرية المصرية يقدم لنا كثيرا من الأحداث التى توضح مدى التزام مصر بالعقيدة العسكرية لتحقيق الأمن الوطنى المصرى والأمن القومى العربى مع الابتعاد عن مخاطر الانزلاق فيما يمكن تقديره تقديرا دقيقا وأضفت بأننى أذكر له بعض الأمثلة ومنها أن مصر فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات أرسلت قوة من الطيران لضرب مواقع فى ليبيا فى عهد العقيد معمر القذافى عندما كان يرسل متفجرات للقطارات وألغاما فى قناة السويس، وهذا الرد المصرى السريع حقق الردع الكافى لمغامرات العقيد للقذافى آنذاك دون أى تورط مصرى فى ليبيا، وأن الرئيس عبدالفتاح السيسى قام بالرد السريع الرادع أيضا على قتل المواطنين المصريين من الإخوة الأقباط فى ليبيا، بتوجيه ضربة موجعة لعدة مواقع للجماعات الإسلامية الإرهابية فى ليبيا التى قامت بقتلهم دون أن يتورط فى المشاكل الليبية، وأن مصر منذ تجربة اليمن فى الستينات من القرن الماضى أصبحت لديها عقيدة عسكرية واضحة بعدم التورط بقوات كبيرة فى أية حرب تدمر قوتها وتمس بمعنويات جيشها وشعبها وتستنزف اقتصادها ولقد كان تدخل مصر فى مساندة الكويت عقب استقلالها ضد تهديدات عبدالكريم قاسم بقدر حقق الهدف دون تورط، كما كررت مصر نفس الشىء مع الكويت ضد غزو صدام حسين إيمانا منها بعروبتها ودورها القومى وكان التدخل بناء على طلب الحكومة الشرعية وفى إطار قرارات جامعة الدول العربية والأمم المتحدة.
واستطردت بأن هذا هو نفس الموقف المصرى فى المشاركة مع قوات عاصفة الحزم بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة فى اليمن وأضفت أنه أكثر من ذلك رفضت مصر المشاركة فى التحالف الأمريكى العربى ضد داعش فى سوريا أو العراق لأن لها أولوية فى العمل ضد الإرهاب فى سيناء قبل غيرها من الأهداف.
وأكدت له بأن هذا يدل على وضوح الرؤية لدى القيادة المصرية وعدم اتخاذ أى قرار غير مدروس أو لا يتماشى مع العقيدة التالية المصرية فى هذه المرحلة المهمة من تاريخ مصر، وأن مصر مدركة لما يحاك لها من مؤامرات ذات طابع دولى أو إقليمى.
أضاف صديقى الخليجى المحب لمصر أنه يرغب أن يتحدث أيضا فى موضوع آخر يعتبره مهما فقلت له هات ما عندك فقال إنه يتمنى ألا تسطيع أية قوة الوقيعة بين أبناء الشعب المصرى من الأقباط والمسلمين، كما حدث فى الوقيعة بين السنة والشيعة فى العراق أو فى لبنان أو غيرها من الدول، وأضاف أن تماسك مصر وقوتها من وحدة شعبها فقلت له إننى أشكره على حسه القومى العربى وعلى حبه لمصر، ولكننى أقول له إن مصر خاصة منذ ثورة 1919 وتعانق الهلال مع الصليب أدركت أهمية وحدتها الوطنية وأنه أحيانا تقع بعض الأحداث ولكن الطرفين يقومان باحتوائها، واستطردت أنه فى ثورة 25 يناير كان كل طرف يحمى الآخر فى ميدان التحرير أثناء قيامه بالصلاة إلى أن جاء داعية مصرى مقيم فى الخارج وسعى للوقيعة وانزلق الإخوان بحكم جهلهم بالدين الإسلامى إلى ترديد أفكار عفى عليها الزمن مثل مقولات الجزية والكفار ونحو ذلك، واستطردت بأن الرئيس السيسى وفضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب وقداسة البابا تواضروس يدركون كل هذه المخاطر وهم على وعى تام ويعملون لإزالة أى سوء تفاهم بل أن الجيش المصرى بنى العديد من الكنائس التى هدمها الجهلاء فى عهد حكم سبق تحت مقولات اتسمت بالجهل والغباء السياسى بل والدينى.
وأضفت أن القيادة المصرية تنتهج موقفا حاسما تجاه الإرهاب والفكر المتطرف والتعصب والجماعات التى تروج وتعمل لذلك، كما إننى أدعو الله ألا تنخدع مصر بالكلام المعسول من بعض مؤيدى تلك الجماعات ولا تنزلق فى هواجس الخوف والشكوك مما يروجه بعض المثقفين ممن لا يرغبون فى الحزم ويتجهون نحو مواقف غير واضحة مما يترك أثرا سيئا فى نفوس الشعب المصرى ويضعف ثقتهم فى القيادة، وأكدت طمأنته وقلت له إن القوانين الجديدة سوف تكون رادعة وأن بعض المثقفين ربما يكونون حسنى النية فى توجيه بعض النقد للقوانين الجديدة أو لأعمال معينة، ولكنهم فى تقديرى لا يدركون عواقب الأمور وطبيعة الإرهاب، كما أن بعضهم يعيش فى عصر مختلف من المثاليات وإن أمريكا عندما تعرضت لإرهاب 11 سبتمبر، أجبرت العالم كله على أن يحارب الإرهاب ووضعت قوانين بالغة الخطورة وأن بريطانيا عندما تعرضت لإرهاب محدود عام 2005 وعندما قامت مظاهرات منذ عام تقريبا من طلاب جامعات وعمال ضد رفعت بعض الجامعات المصروفات الدراسية قال رئيس وزرائها وأيدته المعارضة فى البرلمان عندما يكون أمن بريطانيا مهددا فلا يسألنى أحد عن حقوق الإنسان. ونفس الأمر مع فرنسا بعد حادثة شارلى إبدو وغيرها من الدول، ولكن البعض من المثقفين واإصعلاميين والسياسيين والحقوقيين ما زال غير مدرك لأبعاد المخاطر التى تتعرض لها مصر فى هذه المرحلة، ولكن لحسن الحظ أن الشعب المصرى ازداد وعيه بهذه المخاطر، وأصبح أكثر وعيا من كثير من السياسيين والمثقفين لمثل تلك المخاطر، وأن القيادة المصرية بحكم تكوينها لا تعبأ بأى آراء ينتج عنها المساس بأمن الوطن والمواطنين جميعا لأن هدم أى ركن من أركان الدولة سيؤدى بها إلى الانهيار وانعدام الأمن، كما هو حادث فى بعض دول الجوار وعندئذ يتباكى هؤلاء المثقفون على اللبن المسكوب بعد ضياع الأمر وهذا تدركه القيادة وأتمنى أن يدركه القلة من المثقفين المسيسين والمغيبين.
أعرب الصديق الخليجى عن ارتياحه لما ذكرته وأضاف أنه يرجو مع ذلك بل يلح على أن أكتب مقالا أو أبلغ رسالة للقيادة المصرية بأية وسيلة لكى يكون ضميره راضيا ومرتاحا فوعدته بذلك، وها أنا أكتب هذه السطور وأتمنى أن يطلع عليها أصحاب القرار فى مصر ولو من قبيل التذكرة فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
* سفير وباحث فى الدراسات الاستراتيجية الدولية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة