سعيد زكى يكتب: أحمد مطر.. كلنا يسأل عن حسن

الخميس، 16 يوليو 2015 10:00 م
سعيد زكى يكتب:   أحمد مطر.. كلنا يسأل عن حسن الشاعر أحمد مطر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من المعروف والمستقر فى أذهان الملمين بشعر الشاعر العراقى أحمد مطر أن شعره يشتبك مع قضاياه المحيطة، بل من أجلها يكتب الشعر ويسمو بجمالياته، كما جعل من شعره سلاحه فى مواجهة هذه القضايا، وعلى رأسها الاستبداد والديكتاتوريات، فكان نتاجه بمثابة الرصاصات التى تخترق آذان كل ديكتاتور ومستبد وفاسد، وخاصة من العرب وبين ظهرانيهم، ولما لا وهو أكثر من شرب من كأس ظلمهم سجنا ونفيا وحصارا للقوت وخنقا للصوت، ولسنا هنا بمعرض التأريخ أو اقتفاء السيرة الذاتيه للشاعر، لكن جل يهمنا هو تسليط الضوء على بعض ما خلفه لنا من إرثه الشعرى ومن هذا الإرث نتوقف فى نظرة تأملية سريعة عند سؤال ذاتى بسيط يطرحه الشاعر فى إحدى قصائده وهو: "أين صديقى حسن؟" الذى لم يطرحه الشاعر كمجرد بيت شعرى جاء منمّقا فى إحدى قصائده، وإنما هو سؤال يخفى وراءه فصولا مطولة من التراجيديا حياتية واجتماعية وواقع مؤسف يفضحه مطر ويأخذ بيد قارئه للوقوف عليه، ولا يمكن الوقوف على الفهم العميق لهذ السؤال دون تتبع السياق الذى أورده فيه مطر، وهو السياق الذى يأتى فى قصيدة مطر الشهيرة «أين صديقى حسن؟».

زار الرئيس المؤتمن/ بعض ولايات الوطن/ وحين زار حينا/ قال لنا: هاتوا شكاويكم بصدق فى العلن/ ولا تخافوا أحدا فقد مضى ذاك الزمن/ فقال صاحبى حسن: يا سيدى/ أين الرغيف واللبن ؟؟/ وأين تأمين السكن؟؟/ وأين توفير المهن؟؟/ وأين من يوفر الدواء للفقير دونما ثمن؟؟/ يا سيدي/ لم نر من ذلك شيئا ابدا/ قال الرئيس فى حزن: أحرق ربى جسدي/ أكل هذا حصل فى بلدي؟؟!/ شكرا على صدقك فى تنبيهنا يا ولدى/ سوف ترى الخير غدا


والشاعر هنا يتقمص دور حاكم قد يبدو للوهلة الأولى أنه ظل الإله على الأرض فى تحقيق الحكم الرشيد وقوامه الأول العدل، حاكم جاء لينتشلهم من ظلم طال ومن براثن ديكتاتورية عتية، لكم البشرى اليوم أيها الرعية، فها قد جاء زمن الحرية أيها الرعية، الخير قادم فلا تخافوا فزمان الخوف قد ولّى:

هاتوا شكاويكم بصدق فى العلن/ ولا تخافوا أحدا فقد مضى ذاك الزمن


ويطرب حسن لهذا الكلام، أخيرا وجدوا ما طال انتظاره، نسمات الحرية تداعب قلبه الذى تمزقت أنسجته فى انتار مثل هذه اللحظة، ويدفعه طيش سذاجته ليسأل أسئلته المشروعة عن اللبن والخبر والعلاج وهو أقل ما يطلبه المحكوم من الحاكم إنه الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية.

يصغى الحاكم بانتباه وتضطرم نفسه كمدا بل ويدعو على نفسه مندهشا من أن كل هذا يحدث فى ولايته، إنه العدل بمعنى الكلمة والديمقراطية أكثر مما ينبغي.
لكن ما نلبث إن إذا أكملنا بقية القصيدة أن يتحول الأمر تراجيديا فريدة ونهاية مأساوية، تتكشف الأمور وتصبح ليست على ما يرام- كما اعتقد هؤلاء الطيبون حسنو النية:
و

مرة ثانية قال لنا: هاتوا شكاويكم بصدق فى العلن/ ولا تخافوا أحدا/ فقد مضى ذاك الزمن/ لم يشتك أحدا/ فقمت معلنا/ أين الرغيف واللبن؟؟وأين توفير السكن؟؟/ وأين توفير المهن؟؟/وأين من يوفر الدواء للفقير دونما ثمن؟؟/ معذرة يا سيدى!!/ وأين صديقى حسن؟



يأتى التساؤل الأخير فى القصيدة: أين صديقى حسن؟ ليكشف زيف الحاكم ويسقط عنه قناعه المصطنع، إنه السؤال الذى لا يكشف فقط ديكتاتورية الحاكم، لكن يكشف الوهم والمتاجرة بالديمقراطية والتشدق بها، لقد وقع "حسن" فى براثن مكره وصدّق الوهم وحتما سيلحق به صديقه الذى تجرأ على السؤال عن مصيز صديقه المغدور ما يدخلنا فى سلسلة دائرية عن مصير الاثنين حسن وصديقه «الشاعر» على لسان جديد ويصبح الجميع «حسن بعضه من حسن".

هذا التساؤل الجاد الذى تساءله الشاعر، خاصة إذا ما عرفنا تجربة الشاعر الشخصية مع القمع وفترة الحكم التى قيل فيها والفاشية السائدة آنذاك خاصة بالعراق يجعلنا نوقن أنه سؤال أبدى باق بقاء الزمان والمكان فهو لا يرتبط بمكان محدد أو ذوات معروفة بل ينزح وينتشر فى جميع الأوطان خاصة العربية، حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فمن قبلنا سألوا مثل هذا السؤال فدارت عليهم الدائرة وجئنا نحن لنسأله لتدور علينا الدائرة وحتما سيخلفنا سائلون آخرون يسلمون الراية لآخرين يسألون عن حسن! ويبقى حسن فى قاموس أحمد مطر الشعرى رمزا للبحث عن الحرية والحياة والكرامة، لكن يستدعى السؤال سؤالا آخر: ترى هل حسن وصديقه كانا غبيين لأنهما لم يفطنا للمكيدة فيستحقان العقاب أم أنه ما فعلاه بطولة يستحقان عليها الثناء.


موضوعات متعلقة..


سعيد زكى يكتب: ليلة القدر فى عيون الشعراء








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة