د. محمد نعمان جلال

تأملات صريحة

الخميس، 02 يوليو 2015 11:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
رغم أن الفترة الزمنية المقدرة بعام لاتعد شيئا مذكورا فى تاريخ الدول والشعوب فى الفكر السياسى التقليدى إلا أنها نتيجة التقدم والتطور المعاصر تعد فترة زمنية كافية لعمل تقييم ولو مبدئيًا لمدى القدرة على الإنجاز ومواجهة التحديات لأى مسئول.. ومن هنا يمكن القول بأن تولى عبد الفتاح السيسى رئاسة الدولة تسمح بتقييم مبدئى لأدائه.. ولعل ما يدعونا لهذا القول التطور فى الفكر السياسى الإدارى والديمقراطى فى العالم المعاصر، الذى لا يسمح لرئيس دولة بأن يبقى فى السلطة أكثر من فترتين كل منها ما بين 4 أو 5 سنوات أى بحد أقصى عشر سنوات فى السلطة.. فالنظام الأمريكى يسمح بحد أقصى ثمانى سنوات، وكذلك النظام الصينى.. أما النظام البريطانى فرغم أنه يسمح لرئيس الوزراء المنتخب، والذى هو مركز القوة والسلطة فى النظام بفترات مفتوحة إلا أن الحزب الحاكم اذا حصل على الأغلبية لثلاث مرات كل منها 4 سنوات فإنه فى الفترة الثالثة يتمرد على رئيسه ويقصيه، حدث هذا مع مارجريت تاتشر المرأة الحديدية وانتونى بلير الذى وقف زملاؤه على قلب رجل واحد برفض استمراره فى السلطة لفترة ثالثة لأنه أدى أقصى ما يمكنه ثم بدأ فى العد التنازلى، أما قادة الأحزاب الذين يخفقون فى الحصول على فوز فى الانتخابات لأحزابهم فإنه مهما كانت كفاءته ومهما كان سنهم يتقاعدون ويتركون الحياة السياسية العامة.

وفى الصين أصبحت مختلف المناصب القيادية من رئيس الدولة ورئيس الوزراء والوزراء والمحافظين وأجهزة الحكم المحلى من رؤساء المدن والقرى والأحياء لفترة واحدة قابلة للتجديد لمدة واحدة إذا قدم إنجازات حقيقية ملموسة فإذا لم يحقق إنجازات ملموسة ولم يرتكب أخطاء فربما يظل فى موقعه لمدة أربع سنوات فقط.. ولذلك يحرص كل مسئول أن يكون نموذجًا للأمانة وللإنجاز حتى يظل لفترة ثانية فى موقعه أو يرقى إلى منصب أعلى.

وينبغى أن نذكر أن المسألة لا تتعلق بتصوراتنا حول مفهوم مدنى أو عسكرى فهذا فى ذاته وعلى إطلاقه تصور خاطئ، فالمهم هو الكفاءة والقدرة على أداء المهمة التى توكل إليه والإنجاز والنزاهة بعيدا عن الوساطات والمحسوبية والفساد المالى أو الإدارى أو الأخلاقى.. وبما أن البشر ليسوا ملائكة فإن العقاب الرادع سرعان ما يعصف بأكبر القيادات مثلما حدث مع أكثر من شخص من كبار أعمدة الحزب الشيوعى، وهو فى المنصب وليس فقط بعد تركه إياه مثل أمين الحزب فى بكين وعمدة بكين فى الثمانينيات من القرن الماضى وأمين الحزب فى شنغهاى وغيرهما من المدن الكبرى وآخر الرؤوس التى أطيح بها هو أمين الحزب البالغ الكفاءة ولكنه انحرف فجأة نتيجة الغرور واتجاه زوجته للعمل التجارى مع شريك انجليزى وهكذا سقط وحوكم وحبس بو شييلاى بعد أن كان من الواعدين ليكون رئيسا لوزراء الصين وربما رئيسا للدولة فى الفترة القادمة.

ما أريد قوله: إن العبرة بالكفاءة أما المحسوبية والمجاملة للمدنيين وأعضاء الأحزاب بعضهم بعضا أو العسكريين بعضهم بعضا، فهذا من أكبر الآفات.. وفى ثورة 23 يوليو عندما لمست الثورة فساد الأحزاب القديمة وتصارعهم لجأت إلى أساتذة الجامعات، ومن ثم كان ذلك أحد أسباب إخفاق الثورة، وأحد أهم أسباب تدهور التعليم الجامعى وأيضًا التعليم العام، فإستاذ الجامعة أو المعلم ربما يفهم جيدا مهنته، ولكنه لا يفهم غيرها فى معظم الأحوال، وأستاذ الاقتصاد ليس بالضرورة يصلح وزير اقتصاد، فأحد أبرز أساتذة الاقتصاد لم يحقق نجاحا باهرا عندما تولى الوزارة فى السبعينيات فى مصر، ما أريد قوله إنه ليس بالضرورة من يحصل على معرفة نظرية عن موضوع ما يمكنه أن يتولى تنفيذ فكره فأرسطو وأفلاطون وسقراط لم يتولوا أية وزارة.. فليس كل حاصل على الدكتوراه أو كل مثقف أو كل دبلوماسى يصلح للمنصب الوزارى، الذى تأهل له فى دراسته، وهكذا فى كل المناصب وكل المؤسسات.. ومن هنا وهو الأهم ضرورة وجود لجنة متخصصة فى شئون الأفراد تقوم بوضع مواصفات لكافة الوظائف ذات الطبيعة القيادية بما فى ذلك مناصب الوزراء، وتتحرى عن تاريخهم وسلوكهم وإنجازاتهم ومزاياهم وعيوبهم، وتعد قائمة تعرض على صاحب القرار النهائى، وينبغى أن نتذكر المقولة، التى وردت فى أدبيات علم الاستراتيجية "أن الحرب أخطر من أن تترك للعسكريين وحدهم، وإن السياسة أهم من أن تترك للسياسيين بمفردهم، أى الحزبيين.. ويمكننى أن أضيف أن الإدارة أصعب من أن تترك للموظفين الإداريين.. ومرة أخرى أقول إن هذا يؤكد ما أذهب إليه بضرورة وجود لجان متخصصة تبحث عن المواهب والكفاءات وتحدد مواصفات كل وظيفة.

أما فى مصر فإن التاريخ الحديث يتحدث عن تشكيل وزارى من شلة الطاولة، وتشكيل آخر من المحاسيب والأقارب، وتولى وزراء مناصبهم لمجرد الصدفة البحتة، كما فى بعض الأفلام السينمائية ولكنها حقيقة يعرفها كثيرون ففى بعض المرات كان يجرى البحث فيها عن مسيحى أو امرأة، على سبيل المثال، فى عهد سابق أو عن وزير للعمل أو وزير للبحث العلمى كانت الاختيارات تتم بالصدفة المحضة أو المعرفة البحتة.

وأذكر أن وزيرا للبحث العلمى يوما ما كان له اهتمام خاص بقراءة الفنجان لكبار الشخصيات فسألنى أحد الأجانب ما هو تخصص هذا الوزير فقلت له لا أعرف سوى أنه وزير للبحث العلمى، ويبدو أن سمعته وصلت للقيادة العليا فبعد فترة تم تغييره، ولكن بعد أن أضاع على مصر عدة سنوات من البحث العلمى ولذلك لا عجب أن يتأخر لدينا البحث العلمى وتتأخر الجامعات ويغش الطلاب بأحدث الوسائل بدلا من أن يذاكروا دروسهم فإنهم يهربون من المدارس ويعتمدون على الدروس الخصوصية ونحو ذلك، بل حتى عندما جرى البحث عن وزير خارجية ذات مرة أخذوا الأخ بدلا من المرشح الذى تردد اسمه، وهذا حدث مع أكثر من وزير، حيث تم الاختيار دون معرفة قواعد واضحة لهذا الاختيار، بل لم يعرف الوزير

طبيعة مهمته أو عن المنصب الوزارى المرشح له إلا بعد تولى المنصب، وأيا كان الأمر فإن المرشح من المهنة ربما هو أقدر من يعلم دخائلها وكيفية إدارتها، ولكن هذا ليس بالضرورة أن كل من ينتمى إلى مهنة معينة يكون ناجحا كوزير لها.. ولو نظرنا لتاريخ أى مؤسسة بدون أية حساسيات نجد أن معظم أساتذة الجامعات لم يوفقوا فى مهامهم الوزارية لا فى التعليم أو البحث العلمى أو الاقتصاد أو غيرها.
إن هذه التأملات أهديها لصاحب القرار الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى اختاره الشعب وأحبه وما تزال شعبيته كبيرة بعد مضى عام من توليه السلطة، رغم كل التحديات التى واجهها، ورغم كل الإشاعات السيئة التى تروجها جماعة معينة معروفة بالدعاية السوداء والتعطش للسلطة.

إننى لا أريد أن أضع مواصفات للوظائف العليا لكل مؤسسة فهذه مسئولية المتخصصين فى كل منها مع أخذ رأى غير المتخصصين، ولهذا فإن الدراسة الجامعية فى أمريكا تركز على تداخل التخصصات حتى يكون الخريج لديه رؤية شاملة ومتنوعة وليس مجرد حافظ لمادته فقط دون إلمام بالابعاد المجتمعية والاقتصادية والظروف السياسية ولعل ذلك من اسباب إخفاق وصفات البنك الدولى وصندوق النقد الدولى للاصلاح الاقتصادي،إنهم يأخذون فكرا أمريكيا محافظا وتقليديا ويقدمونه كوصفات للاصلاح الاقتصادى فى الدول النامية ويؤدى ذلك إلى إحداث اضطرابات مجتمعية خطيرة كما حدث فى البرازيل وغيرها من دول امريكا اللاتينية فى السبعينات والثمانينات، ولذلك يجب أن يكون الاصلاح حصيلة فكر جمعى مشترك لمفكرين من كل المجتمع وليس مجرد من يطلق عليهم خبراء اقتصاديين ونفس الشئء بالنسبة لمن يوصفون بانهم خبراء حقوق الإنسان وجمعيات حقوقية تأتى لنا بوصفات من الدول المتقدمة وتريد تطبيقها فى بلادنا ومحاكمة انظمتنا واتهامها بالإخفاق بناء على ذلك، وهذه الوصفات لا تطبق حتى فى أمريكا ذاتها التى اعترف رئيسها بأن العنصرية ما تزال كامنة، بل واعترف وزير خارجيتها جون كيرى فى تصريحات مؤخرا بأن حالة حقوق الإنسان فى أمريكا مخزية وغير ذلك من الاعترافات الكثير.


فكيف يريدون تطبيقها علينا ونحن ما نزال مجتمعا ناميا ومعظم سكانه فقراء وحوالى نصف سكانه تحت خط الفقر ومثلهم من الأميين.. والأحزاب المصرية تتصارع دون أن تتفق على قرار هل يتحالفون معا أو هل تتم الانتخابات بالقائمة أو بالفردى وبأى نسبة ونحو ذلك.. وللأسف بعض السياسيين وبعض المثقفين يروجون بدون حس سياسى سليم مقولة أن النظام القائم يخاف من الانتخابات ومن الأحزاب، وهذا أمر عجيب فكيف يخشى النظام من أحزاب معظمها كرتونة وبعضها أحزاب عائلية وبعضها له زعامات دنكوشوتية بلا جماهير، وأحزاب أخرى تعيش فى القرون ما قبل الوسطى وتريد إعادة عقارب الساعة للخلف عدة قرون وتستخدم شعارات دينية أو قومية لخداع الجماهير الفقيرة والأمية بعد أكثر من ستين عاما على ثورة 1952 وعلى إعلان طه حسين وزير المعارف قبل ثورة 1952 أن التعليم كالماء والهواء.
إن الشعار الذى أطلقته ثورة 1919 "إن الدين لله والوطن للجميع" هو شعار حق ويتلاءم مع العصر. ولكن فى نفس الوقت ننادى بضرورة محاربة الفساد على مختلف المستويات والمعاقبة الصارمة على الاهمال والغش والرشوة والعمولات وما شابه ذلك وأن يطبق القانون بالعدالة الناجزة وحقا القول المشهور إن الله ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة.
إن مبدأ تكافؤ الفرص يجب أن يعود والاعلان عن وظائف وهمية يجب أن يتوقف ويحاسب من يفعله. وبذخ الأجهزة الحكومية يجب أن يعاد النظر فيه، وأسوق مثالا على ملك النرويج السابق أولاف الخامس كان يركب الترام بعد أزمة البترول بعد حرب رمضان المبارك (أكتوبر) عام 1973، وكان يعيش فى قصره بلا أبهة، وقد وجد أبنائى يلعبون فى حديقة قصره، التى كانت مفتوحة لعامة الناس فاصطحبهم لداخل القصر، وقدم لهم الشاى، وهذا أمر عادى فى تلك البلاد ولكنه أقرب للمعجزة فى بلادنا.
هذه تأملات صريحة للغاية بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لتولى الرئيس عبد الفتاح السيسى لمنصبه.. وقبل أن أنهى هذه التأملات أقول إنه مهما كانت إنجازات الرئيس السيسى فى خلال هذا العام وهى إنجازات كبيرة ومهمة فإن التحديات أمامه أكبر ودعواتى له بالتوفيق فى تحقيق نقلة نوعية فى النظام السياسى المصرى وفى المجتمع المصرى لوضعه على الطريق الصحيح للتغلب على المأساة الكبيرة، التى نعيشها والتى جعلتنا نتيجة سلوك رؤساء سابقين فى أدنى المستويات فى إحصاءات الأمم المتحدة، وتقدمت علينا شعوب ودول لم يكن يسمع بها أحد، بل ربما لم يكن لها وجود ونحن نفتخر بالانتماء ونحن عاجزون عن إنتاج الطعام أو الملابس لشعوبنا. وأخيرا ندعو الله أن يحفظ مصر وشعبها وقادتها الأوفياء المخلصين الذين يحافظون على القسم بان يكونوا مخلصين للوطن وأن يصونوا أرضه وترابه الوطنى وسلامته ويحمون ويدافعون عن حدوده.. فهم الأبطال حقا الذين قال عنهم النبى الكريم إنهم خير أجناد الأرض.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة