لعبة كرة القدم فى العالم كله، لعبة ترفيهية، مسلية، إلا فى مصر، حولناها إلى معادلات كيميائية معقدة تستعصى حتى على العلماء، والعباقرة، حلها، وفك شفراتها، فأصبحت خطرا داهما على أمن وأمان الوطن، تنفجر فى أى لحظة، مخلفة وراءها قتلى وحرائق ودمار. العالم كله، يلعب كرة القدم للاستمتاع، والبهجة والسعادة، وكونها رياضة تحافظ للإنسان على صحته ونشاطه.
ونظرًا لجماهيرية اللعبة العريضة، فقد قننتها الدول فى منظومة علمية وقانونية، حددت كل طرف من أطراف اللعبة مهام ومسؤوليات، من اللاعب، والمدرب، والحكم، والإدارى، ومجلس إدارة النادى، واتحاد الكرة، والجمهور، إلى آخر ذلك.
بينما فى مصر، الأمر عبارة عن عصير كوكتيل «فخفخينا»، فاللاعب، بجانب أنه يمارس اللعبة نهارا تجده موظفا صباحا، وناشطا سياسيا ثوريا ليلا، ولكم فى أبو تريكة وأحمد الميرغنى أسوة سيئة. أما أعضاء مجالس إدارات الأندية، والاتحادات، تجدهم أعضاء فى البرلمان، وخبراء استراتيجيين، وسياسيين، ونقاد فن، وخبراء فيزياء وميتافيزيقيا، وضاربى الودع، وخبراء فلك وتنجيم.
أما الجمهور، أصبح كل شىء، لاعبا، ومسؤولا، ومدربا، وسياسيا، وناشطا، وثوريا، وناقدا، ومذيعا، ومحللا وخبيرا كرويا، وسبع صنايع والبخت ضايع.
هؤلاء جميعا، بجانب رؤساء الأندية، مسؤولون مسؤولية مباشرة فى تأجيج الأوضاع فى البلاد، وأن ممارستهم على الأرض بعيدة تماما عن المسؤولية الوطنية، وعن تغليب المصلحة العليا للوطن، على المصالح والحسابات الشخصية الضيقة واللعينة.
أيضا الحكومة مشاركة بقوة فى هذه المهزلة، عندما تشاهد وتراقب ما حدث خلال الساعات القليلة الماضية، حول إقامة مباراة الأهلى والزمالك، وهى بالمناسبة تحصيل حاصل، والاختلاف على الملعب التى ستقام عليه المباراة، أمر يشعرك بالإحباط الشديد، ويدفعك لليأس والاكتئاب، ويكشف لك حجم المراهقة الإدارية، وغياب الكفاءة، والقدرة على اتخاذ القرار الصحيح فى الوقت الصحيح.
المبارة التى ستقام اليوم الثلاثاء، تحدد لها ملعب الجونة، والأهلى والزمالك رفضا، إلا أن اتحاد الكرة، ومن خلفه الحكومة، أصرّا على رأيهما، خشية ورعبا وارتعاشا من «قبائل» الألتراس، وظلا يماطلان حتى بدأت شرارة الحريق تنطلق من كل جهة، ودخل الألتراس على خط النار، وفى اللحظات الأخيرة، كالعادة، وبلغة كرة القدم، فى الدقيقة 90، ومع بداية الوقت الضائع، تدخل المهندس إبراهيم محلب رئيس الحكومة «البلدوزر»، وخضع للنادى الأهلى ونقل المباراة إلى استاد برج العرب.
ألا يستدعى هذا الارتباك والارتعاش، الانتباه إلى أن كل المنظومة الرياضية، بجانب الحكومة، بستين سبعين عافية؟ وإن الجميع يغرقون فى شبر مية، ويفتقرون لأساسيات قواعد العوم، وحالهم يصعب على الكافر؟!
ثم وجدنا رئيسا أكبر ناديين فى إفريقيا، الأهلى والزمالك، يخوضان معركة التراشق بالألفاظ، ويؤججان الشارع، ويحولانه إلى اقتتال بين جمهور الناديين، رغم أن المباراة، تحصيل حاصل، وأن الدرع فى طريقه لميت عقبة، لكن، كيف لرئيس أكبر ناديين يمرران المناسبة مروار الكرام، ويرتفعان إلى فوق مستوى الأحداث التى تمر بها البلاد، وأن الجيش المصرى يخوض معركة ضروس فى سيناء ضد الجماعات الإرهابية، التكفيرية ليس للدفاع عن مصر فحسب، ولكن نيابة عن الإنسانية فى العالم، دون أن يكون لهما دور فى عملية إشعال الحرائق؟!
إن جميع النواميس والقوانين والأنظمة فى العالم لا تتهاون ولا تتسامح مع من لا يتحمل مسؤوليته فى ارتكاب خطأ، أو جريمة، إلا فى مصر، بلد الفخفخينة، والاستثناءات الفاسدة، واختلاط أنساب المفاهيم، ولذلك لن ينصلح الحال، طالما أن هناك مأمنا من العقاب، وأن مساحة إساءة الأدب تتسع وتكبر، وسلم لى على دولة القانون.
دندراوى الهوارى
كرة القدم فى مصر.. «فخفخينا» ومعادلات كيميائية شديدة الانفجار
الثلاثاء، 21 يوليو 2015 12:03 م
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة