لم يتغير شىء فى المعادلة، مازالت غير مكتملة وينقصها أهم عامل مساعد لكى يكتمل تفاعلها وتصل إلى حل.
فى المعادلة المصرية توجد الأرض وهى عظيمة، ويوجد التاريخ وهو كبير، ويوجد البشر وهم من معدن أصيل يحتاج لمن ينفض عنهم التراب، ومع ذلك لا تصل بنا تلك المعادلة إلى حل، دوما ينقصها عامل مساعد اسمه الإخلاص، والإخلاص فكرة، فكرة تقول بأن الوطن أولى، ولكن أغلب الكبار أو من نظنهم كبارا لم يضعوه فى مكانه المناسب بأجندة أولوياتهم.
حادثة تلو الأخرى تؤكد هذا المعنى، وقت المعركة الكبرى للجيش فى سيناء، تخلى الإعلام عن إخلاصه فى دعم الوطن وجنود جيشه وهرول نحو مصلتحه فى النشر دون استيثاق، وفى الساعات الأخيرة، كان بعض من خيرة ولاد مصر، يحاربون الإرهاب فى سيناء ويصدون هجمات جديدة من مجرمين أرادوا إفساد فرحة العيد، ولكن حائط الصد المصرى منعهم وسقط 7 من شهداء الجيش فى تلك المعارك، وبدلا من أن يجدوا احتفاءً أو تكريما أو حتى اهتمام بدمائهم أو جنازاتهم، وجدوا كبار الوطن يصارعون بعضهم بسبب «ماتش كرة».
فى وادى الرجال بسيناء كان الجنود يقاتلون، وفى جبلاية القرود بالقاهرة، كان اتحاد الكرة ومجلسا إدارة الأهلى والزمالك معه يعزفون سيمفونية للحن بعنوان «تحقيق المصالح الخاصة حتى ولو على جثة وطن» يعلمون تماما أنه لن يتحمل دما جديدا أو تعصبا كرويا يأخذنا إلى حالة الدفاع الجوى أو مذبحة بورسعيد.
استيقظ محمود طاهر رئيس النادى الأهلى وتذكر أنه رئيس نادٍ كبير تعرض لانتكاسات وفشل فى الفترة الأخيرة فأراد أن يعوض فشله بمعركة وضجة، وبجواره كان رئيس نادى الزمالك وهو يتلفظ بألفاظ خارجة على الهواء ويشتم رئيس النادى الأهلى فى مشهد يعلم منه القاصى والدانى أنه يشعل التوتر بين جماهير الفريقين، وعلى بعد خطوات من الطرفين، كان الإعلام الرياضى يعود إلى سيرته الأولى فى تسخين الأجواء وتحويل الأستديوهات إلى مصاطب للردح، ومن قبل كل ذلك كان أعضاء اتحاد الكرة فى أعلى الجبلاية يؤدون دورهم الفاشل فى الصمت والارتباك، وبجوارهم حكومة صامتة، تلعب دورها المعتاد فى «الطناش» حتى تنفجر القنبلة، وبين هؤلاء وهؤلاء تظهر الأصوات العالية وهى تسعى لتحميل الجمهور المسؤولية كاملة، رغم أن جمهور الكرة فى العالم كله وليس مصر، معروف بحماسه وتعصبه، ومعروف أيضا أن حماسه وتعصبه لا يتحول إلى عنف أو بلطجة إلا إذا ارتبكت الدولة، أو المؤسسات المسؤولة عن إدارة شؤون اللعبة، أو كان أهل إدارة الأندية على دفوف التعصب ضاربون.
كان كل ذلك يحدث فى دولة كبرى مثل مصر، بسبب ملعب كرة قدم، أساءت الأجهزة المسؤولة اختياره، وكأن مباراة الأهلى والزمالك جاءت فجأة أو سقطت كنيزك من السماء، حدث كل ذلك وتعارك الكل وكأنه صاحب حق، دون أن يخبرنا الناس فى الأهلى أو الزمالك أو اتحاد الكرة أو الحكومة: ألهذه الدرجة هم فاشلون؟ ألهذه الدرجة مصالحهم تعلو مصلحة الوطن؟، ألهذه الدرجة معاركهم الكروية أهم من دماء الشهداء؟، ألهذه الدرجة عاجزون عن إدارة شؤون مباراة واحدة؟.
ثم تصل لعبة القرود إلى قمة صياحها وعبثيتها حينما يظهر رئيس النادى الأهلى، ويتقمص فى مشهد واحد دور رئيس نادى الزمالك ويهدد ويتوعد، وينزل بالجمهور إلى منطقة الأضواء، فتستجيب الحكومة فى سرعة البرق، وكأن السيد رئيس الوزراء يعضد ويرسخ لمفهوم جديد فى الدولة المصرية اسمه «هدد.. تركب»، كن شتاما، وصاحب صوت عالٍ، ساوم الناس على أسرارهم، هدد بالانسحاب وإفساد الحفل، ترضخ الدولة وتستجب.. وتلك هى المأساة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة