تربينا معا، شاهدنى طفلة بضفاير، ورأى فرحتى بملابس العيد وشقاوتى وهدوئى وصبايا، ورأيت رزانته وتفوقه والتزامه وخلقه، كنا نتزاور ونلتقى كأقارب، وربما وقتها لم يفكر فى كزوجة وأنا كذلك، حتى حينما اهتم أن يكتب لى استمارة الرغبات بعد حصولى على الثانوية العامة وأن يساعدنى فى التقدم لكلية الإعلام، لم يخطر ببالى أن يكون ابن عمتى الطبيب الشاب هو زوج المستقبل!!
الدكتور عبداللاه حسين الصادق، من اسمه قد ترى أول ارتباط بينى وبينه حتى قبل أن أرى الدنيا، حيث أصرت عمتى على تسميته باسم "عبداللاه" أقرب أشقائها وأحبهم إلى قلبها خاصة بعد أن لاحظت تشابهًا كبيرًا بينه وبين خاله "والدى" ليرتبط اسمى باسمه واسم أبى قبل أن أولد ويصبح بعد سنوات طويلة اسمى وأسماء أبنائى متشابهين.
كانت مفاجأة حين تقدم لخطبتى وأنا فى السنة الأولى فى كلية الإعلام، لا أنكر ترددى وخوفى ومشاعرى المتضاربة وقتها لكن أخلاقه وتدينه وأصله الطيب وتقاربنا الفكرى والاجتماعى كانت كلها عوامل العقل التى حركت القلب مع أول لقاء جمعنا بعد طلب الخطبة، تحدثنا بصدق دون تكلف أو تصنع أو تزييف، فكل منا واضح للآخر كالكتاب المفتوح، رأيت فيه زوجًا لن يغدر بى يومًا حتى وإن اختلفنا، يعرفنى وأعرفه، أثق فى أنه سيصوننى ويحترمنى ولن يهيننى أبدًا، لأنه يرعى الله فى كل كبيرة وصغيرة، عرفت كيف يحترم المرأة بفعله وليس بالشعارات الرنانة، رأيت ذلك فى معاملته لوالدته وشقيقاته، وافقت على الزواج بعقلى وقلبى، وإذا كان هذا ما يسميه الشباب الأن زواج الصالونات المبنى على العقل والذى لا يشبه قصص الحب الساخنة المقتبسة من الأفلام فأفتخر إذن بأننى تزوجت زواج صالونات.
تزوجنا وأنا طالبة فى السنة الثانية بكلية الإعلام، بعد أن وعدنى بأن يكون عونا لى فى إنهاء دراستى، وحقا وعد فأوفى، ساعدنى كثيرًا وتحمل معى الكثير حتى بعد أن أنجبنا ابنتى الكبرى هدير وأنا فى الصف الثالث، وزادت المسئوليات على كأم وطالبة وزوجة فى آن الوقت، تحمل أكثر مما تحملت ولم يشكو يومًا أو يشعرنى بالتقصير أو الضجر، يطير فرحًا عندما أنجح وأتفوق، وبعد تخرجى لم يمانع فى أن أعمل بالصحافة مهنتى المتعبة التى أعشقها ولم يطلب منى أن أتركها بعد أن أنجبت ابنى الثانى عمرو، وابنتى الثالثة هند.
يساعدنى بكل ما يستطيع ويقرأ ما أكتبه ويشجعنى، يفرح أكثر منى كلما حصلت على إحدى الجوائز الصحفية ويحضر معى حفلات التكريم، لا يمانع إذا تطلبت ظروف العمل سفرى خارج البلاد، يتحمل معى مصاعب هذه المهنة وتقلباتها ومشكلاتها وقضاياها، يقف إلى جوارى حين يتم استدعائى للتحقيق فى قضية نشر، كما حدث فى عهد نظام مبارك حيث تم اتهامى بتكدير السلم العام بسبب تحقيق صحفى لم يعجب النظام وأصرت جهات التحقيق أن يتم التحقيق معى فى الإسكندرية فسافر معى مرتين لحضور التحقيقات حتى انتهت القضية على خير، وأظنه كان سيقف إلى جوارى حتى لو تم الحكم على بالحبس وكان بالتأكيد سيدفع الغرامة!.
رجل بيت ورب أسرة وأب مثالى من الطراز الأول، نعمة الله وهديته التى لو سجدت عمرى شكرا لن أوفى ربى حقه فيما أعطى ومنح وأنعم. ينطبق عليه قول الرسول الكريم "خيركم خيركم لأهله"، يتذكر ما أنساه، ويصبر على ما لا أصبر عليه، يكمل ما ينقصنى، ويحب حتى عيوبى، يعشق حتى شعرى الأبيض، يفهمنى وأفهمه دون حديث.
لا يجيد الحب بالكلمات ولكن أرى الحب فى كل أفعاله وتصرفاته وحنانه الذى يغمرنى ويغمر أبناءنا، بل يغمر الغريب والقريب بحنان وشفقة غير مصطنعة أراها يوميا وهو يتعامل مع مرضاه و يتأثر بحالهم ويحاول التخفيف عنهم حتى بما يتجاوز حدود دوره كطبيب، يحزن كثيرا إذا ما أوشك مريض من مرضاه على الموت أو شاهد حالة ميئوس من شفائها، مثال للرحمة والحب والحنان.
مر 24 عاما على زواجنا، قضيت معه أكثر من نصف عمرى وعشت فى بيته أكثر مما عشت فى بيت أبى وأمى. هكذا يكون الرجل والزوج وفتى الأحلام الذى لو رسمته وكتبت صفاته قبل أن أرتبط به ما تخيلت كل هذه الصفات الجميلة وهذا الحب الصادق الذى يعشق المرأة من الضفيرة حتى الشعر الأبيض، ويشعرها دائما بأنها الأجمل مهما كبرت، تهون معه كل الصعاب وتذوب بحنانه وحكمته كل الأزمات، يستوعب الأخطاء والهفوات ولحظات الضيق والغضب، سبب سعادتى فى الدنيا، ورفيق عمرى من الطفولة وحتى آخر العمر.
أراه يمسك بكتاب الله ويقرأ منه وهو جالس إلى جوارى إذا ما قبض الله روحى فأطمئن إلى صوته وأرحل فى هدوء وسكينة وعشم فى أن يكون سببا لجنتى فى الآخرة، هكذا يكون نعيم الدنيا والآخرة مع زوج صالح تحلو به الدنيا وغاية الأمل أن أرافقه فى الجنة.
وإن كان يبدو غريبًا للبعض أو غير مستحب أن يكتب الصحفى عن حياته الشخصية أو عن أفراد أسرته، لكننى أرجو أن تعذرنى عزيزى القارئ لرغبتى الشديدة فى الكتابة ولأول مرة فى حياتى الصحفية التى تمتد لأكثر من عشرين عامًا عن شخص أحبه وأدين له بالفضل، فلم أكن لأمسك قلمًا أو يكون لى نصيب فى أن يرى جمهور من القراء ما أكتبه إلا بفضل هذا الرجل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة