أقر رئيس الوزراء بتعويض قدره 60 ألف جنيه لأسر الغارقين فى حادث غرق مركب الوراق، والبالغ عددهم حتى الآن أربعين غريقًا ابتلعهم النيل فى ليلة عرس انقلبت لمأتم، وكانت هناك عدة قرارات أخرى مصاحبة لذات الحادث، مثل إقالة اثنين من المسؤولين عن النقل النهرى، وتشكيل لجنة لبحث مشاكل النقل النهرى.. وهنا على شهرزاد أن تتوقف عن الكلام المباح، وأطلب منكم أيها السادة أن تعودوا بذاكرتكم ولو ليوم أو بعض يوم، فكم مرة منذ أن وعيتم على ظهر هذه الأرض، مع وضعى فى الاعتبار تفاوت أعماركم، فمنكم من تجاوز السبعين وربما أكثر، ومن يقل عن الخامسة عشر أو أقل، كم مرة قرأتم أو سمعتم مثل هذا الخبر مع اختلاف الحادث، وعدد الضحايا، ومكان النكبة؟، فدائمًا تحدث المصيبة فيجتمع المسؤولون، ويقرون بتعويضات للضحايا وأسرهم، ويكوّنون لجانًا، ويتحدث القاصى والدانى عن الكارثة ثم لا شىء، ونسمع بعدها رائعة الست نجاة «وكأن شيئًا لم يكن وبراءة الأطفال فى عينيه».
وللحق لست أشير إلى ما أشير كنوع من تبكيت حكومات مصر المتتالية على كوارث بسبب الإهمال أو الفساد، أو حتى القدر لا سمح الله، لكن والله العظيم الحكومة صعبانة علىّ فعلاً، فبحسبة بسيطة سنجد أنها تستنزف كثيرًا من موازنتها العامة فى صرف تعويضات، وبحسبة ربما أكثر تعقيدًا سنجد لو أنها وفرت التعويضات، وقررت أن تسبق الكوارث بخطوة أو اثنتين، فمن المؤكد أن ذلك سيوفر لها مبالغ تقدر بالمليارات فى خزانة يقولون إنها تكاد تكون خاوية.
والمصيبة أن مصادر الكوارث فى هذا البلد معروفة، والله العظيم معروفة، ولنأخذ من الحادث الأخير مثالاً، فهل من المستحيل وجود عدد من اللنشات تتبع النقل النهرى تجوب النيل فى مختلف مناطقه لتفتش عن الحمولات الزائدة، أو التجاوزات، أو سلامة المراكب التى تسير فى النيل، وتوقف المتجاوز، وتمنع المخالف، وتسجن وتعاقب.. من المؤكد أن هذا ليس مستحيلاً ولا صعبًا، ولا يحتاج لجانًا ولا موتى ولا تعويضات ولا قطع طريق ولا أى حاجة، فقط نحتاج أن تسبق الحكومة فى تفكيرها المصيبة.
وقد يخرج علينا من يقول دفاعًا عن الحكومة: يعنى نضرب الودع، ونشوف الفنجان، ونحدد الكارثة قبل وقوعها.. ولمن يسير على هذا النهج فى التفكير، مسؤولاً كان أم مواطنًا، أقول: مواطن كوارث مصر معروفة، صحيح أنها كثيرة، لكن يمكن حصارها على الأقل موسميًا، مثل أوقات الأعياد والمواسم وغيرها، وأقول قولى هذا وأتمنى أن ينعم علينا الله ولو مرة واحدة بحكومة لا تستسهل التعويضات، ويعوّض علينا وعليهم عوض الصابرين.