حكومة حظها وحش وتتوالى الكوارث بشكل يتطلب كما يقول المثل العامى «تغيير العتبة»، لأن الإنجازات لا تذهب النكبات، صحيح أنه ليس ذنب رئيس الوزراء الذى يبذل مجهودا خارقا، ولكن الحرب ضد التسيب والإهمال والفساد قضايا مصيرية، إما غير مدرجة على أجندة الوزراء والمسؤولين، وإما يتحركون بعد وقوع الكوارث، مثل سيارات المطافئ التى تأتى بعد أن يلتهم الحريق الأخضر واليابس، وكان الله من يتصدى للمسؤولية فى أوضاع عشوائية ضاغطة، موروثة منذ سنوات طويلة، وتحتاج مسؤولين بدرجة مقاتلين، لا يخافون ابتزازا أو ضغوطا أو تظاهرات لغل يد الدولة عن الإصلاح.
والصراحة تقتضى أن نقر أن الحكومة وحدها لن تستطيع مقاومة الإهمال، وإذا لم يتعاون معها المواطنون بقوة، سيظل عزرائيل يحصد الأرواح وينشر الأحزان، فـ«لو» رفض الأهالى - مثلا - ركوب عبارة الموت فى الوراق، كان يمكن أن نتفادى الحادث المأساوى، و«لو» بادر العاملون فى مصنع العبور بالإبلاغ عن الفساد الرهيب والتسيب الصارخ، كان يمكن تلافى المحرقة، ونفس الشىء ينطبق على حوادث الطرق والمزلقانات وانهيارات المبانى وغيرها، وحتى بالنسبة للأمراض الفتاكة، بوسع الناس أن يبتعدوا عن عربات الفول المسمومة، وغيرها من الملوثات التى تسبب السرطان وفيروس سى، ولابد أن يبادروا بجرأة وشجاعة بالإبلاغ عن كل صور الإهمال، وعدم السكوت وفضح الفاعلين والمتواطئين والمهملين، و«ياروح ما بعدك روح»، فماذا بعد الموت الجماعى الذى لا يخلو منه يوم.
حكومة المقاتلين هى التى تضع أمامها خريطة كبيرة، عليها دوائر حمراء لأماكن الخطر، وتظل الأنوار الحمراء تومض وتضىء حتى تُعالج الأخطاء وتتوقف السلبيات، فالمسألة ليست مجرد زيارات روتينية تسبقها كلمة «سرية» ويعلم المعنيون موعدها ويقومون بطلاء الإهمال والأخطاء والعيوب، ويسعد السيد المسؤول بالبهرجة الإعلامية والتليفزيونية والتلميع الزائف، وبعدها تعود ربما لعادتها القديمة.. أمامنا نماذج رائعة لإنجازات بلا ضجيج، ينفذها القطاع المدنى بالقوات المسلحة، بمنتهى الالتزام والدقة والانضباط، فلماذا لا تسرى هذه الروح ويسرى النجاح فى مختلف القطاعات، وإذا أحسن المسؤولون النوايا وأخلصوا الجهود وتسلحوا بالفاعلية، سيساعدهم الناس وتتراجع معدلات الفواجع.