زينب عبداللاه

أدهم وعبد الرحمن حكاية ضابط وعسكرى

الأربعاء، 08 يوليو 2015 06:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بينما نجلس فى الغرف المكيفة أمام شاشات الكمبيوتر أو التليفزيون نضغط على مفاتيح الكيبورد أو الريموت كنترول، نتحدث عن الوضع فى سيناء، كان عبد الرحمن هناك يجدد النية يوميا بالشهادة مقرونة بنية الصيام ينام ساعات قليلة محتضنا سلاحه ويبقى دائما مترقبا ومتحسبا منتظرا ليوم يشعر أنه سيأتى قريبا، لا يتحدث كثيرا ولا يعرف سفسطة المثقفين والنشطاء .

جاء هو وزملاؤه من كل نجوع مصر وقراها ومحافظاتها، يعرفون أنهم يقفون على خط النار ويحرسون أكثر أراضى مصر أهمية وخطرا.

لم يجد عبد الرحمن سبيلا أو واسطة ليتهرب من الخدمة فى هذا المكان كما يفعل الكثيرون غيره هربا من هذا الخطر، أو لعله لم يبحث من الأساس عن سبيل للهرب.." العمر واحد والرب واحد ولو متنا هنكون شهداء".
هكذا كان البطل عبدالرحمن الجندى المجند فى كمين أبو رفاعى بشمال سيناء، شاب فى سن التاسعة عشرة، مثله كثيرون يناضلون فقط على الفيس بوك وتويتر، يقف عبد الرحمن فى حرارة الشمس الحارقة صائما مرابطا أمام الكمين لا ينام، لم ير والدته ولم ينزل إجازة منذ 3 أشهر، طلب منها فى آخر مكالمة أن تدعو له "بكرة 30 يونيه وهتبقى حرب ادعيلى ياامة".

حاله كحال أغلب جنودنا البواسل الذين يناضلون بالدماء والعرق ولا يعرفون النضال بالكلمات، بسطاء فقراء لم يكملوا تعليمهم أوحصلوا على شهادات بسيطة ومتوسطة، ولكنهم فهموا المعنى الحقيقى للوطنية والفداء، بالفطرة يعرفون قيمة الأرض، التى يزرعونها خيرا وهم يحملون الفؤوس قبل التجنيد ويروونها بالدماء وهم يحملون السلاح.

يناضلون ويموتون شهداء ويصنعون بطولات دون حتى أن نعرف أسماءهم أو ينالوا قدرا من الشهرة مثل هؤلاء الذين يناضلون بالشعارات وأمام الشاشات .

17 جنديا كانوا معه يشاركونه مواجهة الخطر والموت فى كل لحظة ومعهم على رأس الكمين قائدهم الملازم أول أدهم الشوباشى، يقترب عمره من عمر جنوده، ورغم ذلك يراهم ويتحمل مسئوليتهم وكأنهم أبناؤه، وحين تقع المعركة والهجوم الغادر لافرق بينه وبينهم، جميعهم يسارع فى التمسك بالأرض، التى يقف عليها حتى آخر نفس وقطرة دماء، كل منهم يحاول أن يفتدى زميله وأن يسبقه إلى الجنة.

حيث خطط التنظيم الإرهابى، الذى يطلق على نفسه "ولاية سيناء" للسيطرة على منطقة الشيخ زويد وإعلانها امارة إسلامية، ورتبوا للهجوم على عدة كمائن للجيش المصرى، وظنوا أن الهدف سيكون سهلا.

يتحدث الضابط المصاب عن جنوده بفخر ممزوج بالحب وكأنه يراهم فى الجنة، يؤكد أنهم تعرضوا للهجوم من عربة تحمل متفجرات فى السابعة صباحا: "الرجالة اللى معايا استشهد منهم عدد وسبقونا للجنة والباقى تمسكنا بالكمين لآخر وقت، رجالتى كانوا وحوش دافعوا عن الكمين بكل بسالة".
يحكى الضابط عن آخر لحظات فى حياة الشهيد عبد الرحمن: "عبد الرحمن أخد رصاصة فى جنبه، وقلتله استحمل ياعبد الرحمن أنت بطل تعال نخلص عليهم ".

كان الضابط ينزف أيضا فى هذه اللحظات تأثرا بثلاث رصاصات أصابت ساقيه بخلاف الشظايا، وأخذ يزحف ليصل إلى صندوق القنابل اليدوية، بينما عبدالرحمن يقول له "انا هاكمل وهانخلص عليهم."
نسى كل من الضابط والجندى دماءه التى تنزف والرصاصات التى اخترقت جسده وشجع كل منهما الآخر لصد الهجوم .

حصد عبدالرحمن 12 إرهابيًا رغم إصابته، وفى نفس الوقت كان الضابط يزحف حتى وصل إلى صندوق القنابل وألقى على الإرهابيين 20 قنبلة، وتمكن أفراد الكمين من قتل 19 إرهابيا وفرت عربات الدفع الرباعى، التى كانوا يستخدمونها بعد 7 ساعات من الاشتباك، فى الوقت، الذى تعامل باقى الجنود بنفس البسالة .

يحكى الضابط عن هذه اللحظات ويصف ابتسامة عبدالرحمن: "كان بيضحك وفرحان ومبسوط وهما بيقعوا قدامه بسهولة وبينشن عليهم حتى أصابته رصاصة فى رأسه فسقط شهيدا ".

وبعد انتهاء المعركة ووصول الدعم وعربات الإسعاف رفض الضابط المصاب أن يتحرك أو يتم إسعافه إلا بعد نقل كل جنوده من الشهداء والمصابين وهو ما حكاه أحد الجنود المصابين قائلا: "أصر الضابط على نقل الجنود الشهداء والمصابين ومارضاش يسيبنا رغم إصابته وقال مش هاتنقل إلا لما كل الناس تتنقل "

يقسم الضابط وهو على سرير المستشفى موجها حديثه لأهالى الشهداء: "والله جبنا تار ولادكم وزيادة، دول إخواتى كنت منقيهم بالاسم، كان نفسى أحضر عزاء الشهداء بتوعى اللى ضحوا بحياتهم علشان البلد، وفخر ليا إنى خدمت معاهم ومش هانسى اللحظات دى، ويافرحة أهاليهم بيهم اتمنوا الشهادة ونالوها".

بينما يقسم أحد الجنود المصابين أنه سيعود بعد الشفاء إلى الكمين بسيناء ليحمل السلاح "هانفضل وراهم لحد ما ننضف البلد منهم ".

اليقين والصدق الذى تحدث بهما قائد كمين وهو يحكى ما حدث، وما حكاه جنوده عما فعله معهم، وبطولة عبدالرحمن ورفاقه وقائده، تشعر معها بقدر هؤلاء الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله، تمنحك الأمان رغم كل خطر، تستعيد الثقة واليقين بأن أرضك لن تضيع وعليها جنود وضباط يدافعون عنها بهذه الروح، تؤمن بأننا سنهزم الإرهاب بأيديهم الطاهرة وأن ما أقسم به كل منهم حين قال "لن أترك سلاحى قط حتى أذوق الموت ليس مجرد كلمات، بل هى يقين وإيمان ومنهج لخير أجناد الأرض .








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة