الخطر الذى يهدد انتخابات مجلس النواب هو «الأحزاب الدينية» التى تتسلل للبرلمان من ثغرة اسمها «أحزاب ذات المرجعية الدينية».. و«المرجعية» هى مجرد تحايل سياسى يرتدى عباءة دينية، ومصطلح حير علماء الدين والمفكرين منذ قديم الأزل، وأوقعهم فى متاهات ومناقشات بيزنطية طويلة ومطاطة، ففى أحد تعريفاتها، هى المعيار الذى نرجع إليه عند الاختلاف، وفى عالم الماديات تم ابتداع وسائل للوزن والقياس والطول والعرض وغيرها للرجوع إليها، أما فى الأديان فالمسألة تختلف تماما، فلا يمكن قياس الآراء الفقهية بالمتر أو وزنها بالكيلو، وإذا سمينا الأشياء بمسمياتها دون اللجوء لأساليب الخداع اللفظى، فلا فرق بين السلفيين والإخوان وغيرهما من الجماعات التى تختبئ وراء خدعة أنها أحزاب ذات مرجعية دينية، فكلها أحزاب دينية شكلا وموضوعا.
الزعم أيضا بأن الحزب الدينى المحظور دستوريا، هو الذى تقتصر عضويته على أبناء دين واحد، قول فيه نفس الخداع، ويسهل التحايل عليه كما يحدث الآن، بضم أعضاء من أبناء الديانات الأخرى، فلا مانع من تزيين حزب دينى إسلامى برموز قبطية، وأمامنا نماذج كثيرة لهؤلاء الانتهازيين المنتفعين بتوظيف الأديان سياسيا، والمشكلة الجوهرية هى منع توظيف الدين فى السياسة والسياسة فى الدين، ويجب أن نتعظ من تجارب الدول الأخرى، فهل نريد النموذج الإيرانى أم التركى أم طالبان أم داعش؟
وإذا كانت «المرجعية» فى معنى آخر متفق عليه، هى الإيمان بالقرآن الكريم والسنة النبوية كمعيار لكل التعاملات، وأن الذى لا يؤمن بذلك لا يكون مسلما، فكيف يمكن للأقباط أن يكونوا أعضاء فى أحزاب ذات «مرجعية إسلامية»؟ وهل تعنى عضويتهم أنهم دخلوا الإسلام وهجروا دينهم لأنهم أقسموا يمين الطاعة والالتزام؟ لا يجب أن يُفهم ذلك على أنه دعوة لعزل وإقصاء الإسلاميين عن المسرح السياسى، ولكن الهدف هو ضبط إيقاع الممارسة السياسية، وأن تخلع هذه الأحزاب عباءتها الدينية، وتحتمى بمظلة الدولة الوطنية القوية التى تحقق العدل والمساواة لكل أبنائها، ولا تفرق بينهم بسبب الدين أو الجنس أو العرق، وأن تكون الديمقراطية الحقيقية حاميًا أمينًا لدستور الدولة وهويتها وكيانها وترابها الوطنى، حتى نقترب تدريجيا من محاكاة الدول المتقدمة، ولا نعيش فى أجواء ضبابية بسبب أطماع المغامرين فى السطو على السلطة.