أيام قليلة تفصلنا عن الاحتفال بإنجاز المصريين فى حفر قناة السويس الجديدة، وحالة الإبهار والدهشة والإعجاب من دول العالم بمعجزة القرن الجديد وبأيدى الشعب المصرى وبإرادته وأمواله. أيام قليلة ويقدم المصريون للعالم أحدث إبداعهم وتجلياتهم فى وقت قياسى، الصورة مبهجة ومفرحة ومشرقة، ولوحة الإبداع فى القناة الجديدة غاية فى الروعة بسواعد عمال ومهندسى مصر، هناك يمنحك ما تشاهده الثقة فى الذات والأمل فى القدرة على العمل والإنجاز وتحقيق الأحلام المرجوة وتتمنى أن ما حدث ويحدث فى القناة يتكرر فى كل مناحى الحياة فى مصر، وتتمنى أن تتحول المياه المتدفقة فى قناة السويس الجديدة إلى شلالات تنهمر على أماكن الترهل والفساد الإدارى والإهمال والكسل والإحباط واليأس، لتجرفه أمامها وتزرع مكانه سلالات بشرية جديدة كالتى رأيناها فى حفر القناة، تعى قيمة العمل والجد والاجتهاد من أجل المصلحة العليا، وتدرك قيمة الوقت والالتزام والانضباط.
الأمنيات كثيرة، لأن لوحة الإبداع فى مشروع القناة الجديدة يقابله للأسف لوحة الإهمال والفساد فى أماكن أخرى عديدة فى مصر، تصدمنا ببشاعتها كل يوم من غرق فى نهر أو حرق فى مصنع أو موت بدواء فاسد، أو انتحار على طرقات متهالكة، وكأن هناك دولتين وحكوميتين على أرض مصر، الأولى تعمل بمنتهى الإخلاص والتفانى والانتماء، والثانية تتآمر عليها بعجزها وفشلها وترددها وعقولها الخربة البائسة، وبالتأكيد لابد فى النهاية لدولة وحكومة واحدة أن تنتصر وتسود، وهو الصراع الذى نشاهده الآن، بين دولة العمل والبناء، ودولة التخريب والتدمير والفشل، فهل سيطول الصراع؟
الدولة الفاشلة لن تستسلم بسهولة ولن تسلم سلاحها فى وضع العراقيل و زرع اليأس والإحباط فى نفوس أبناء دولة البناء، دون مقاومة شرسة، ولن ترحل إلا إذا أظهرت دولة قناة السويس «العين الحمرا» وطغت إرادتها الجديدة وحسمها وحزمها والتزامها وانضباطها على كل مكان فى مصر، بعقول شابة وإيدٍ قوية لا تتردد فى اتخاذ القرار واقتحام المشاكل. مياه قناة السويس بعد 6 أغسطس عليها أن تجرف أمامها كل أمراض ومساوئ وعيوب الدولة القديمة، فليس مقبولا بعد الافتتاح والإنجاز أن تكون فى مصر سوى لوحة واحدة على مساحة البلاد وامتدادها.. هى لوحة الإبداع والعمل والإنجاز ولترحل دولة الفشل إلى غير رجعة.