عندما تقرر سفر سعد زغلول لبدء المفاوضات فى لندن، اقترح عبدالعزيز فهمى- أحد زعماء الأمة- أن يكتب أحمد شوقى دعاء يتوسل به أبناء مصر- المسلمون والأقباط فى يوم واحد- إلى الله أن يوفق الوفد فى مفاوضاته من أجل الاستقلال، فكتب أمير الشعراء الدعاء، وصلى به أقباط مصر ومسلموها فى يوم واحد، وهذه الأنشودة الوطنية ورد فيها ما يلى:
(اللهم قاهر القياصر، ومذل الجبابر، وناصر من لا ناصر له، ركن الضعيف ومادة قواه، وملهم القوى خشيته وتقواه، ومن لا يحكم بين عباده سواه، هذه كنانتك فزع إليك بنوها، وهرع إليك ساكنوها، هلالاً وصليباً، بعيداً وقريباً، شباباً وشيباً، نجيبة ونجيبا، مستبقين كنائسك المكرمة، التى رفعتها لقدسك أعتاباً، ميممين مساجدك المعظمة، التى شرعتها لكرمك أبواباً، نسألك فيها بعيسى روح الحق، ومحمد نبى الصدق، وموسى الهارب من الرق.. وبهذه الصلاة العامة من أقباط الوادى ومسلميه، أن تعزنا بالعتق إلا من ولائك، ولا تنزلنا بالرق لغير آلائك، ولا تحملنا على غير حكمك واستعلائك، اللهم إن الملأ منا ومنهم قد تداعوا إلى الخطة الفاضلة، والكلمة الفاصلة، فى قضيتنا العادلة، فآتنا اللهم حقوقنا كاملة، واجعل وفدنا فى دارهم هو وفدك، وجندنا الأعزل، إلا من الحق جندك، وقلده اللهم التوفيق والسداد، واعصمه فى ركنك الشديد.. فقلدنا زمامنا، وولنا أحكامنا، واجعل الحق أمامنا، وتمم لنا الفرح.. ولا تجعلنا اللهم باغين ولا عادين، واكتبنا فى الأرض من المصلحين، غير المفسدين فيها ولا الضالين.. آمين).
ويقول عبدالعزيز فهمى، فى كتابه (هذه حياتى) إن إقبال المواطنين المصريين على المساجد والكنائس للمشاركة فى هذه الصلاة الجامعة الموحدة كان إقبالاً شديداً، وذكرت إحدى الصحف أن بعض المواطنين الأقباط لم يجدوا كنائس قريبة فدخلوا المساجد ليشاركوا فى الدعاء، كما دخل المسلمون الكنائس القريبة من أماكن وجودهم حينما لم يجدوا مساجد قريبة.. فالوطن والدعاء له جعل لهم من أرضه كلها مسجداً أو كنيسة، يصلون فى أى منها صلاتهم الواحدة المشتركة.
إننا فى أمس الحاجة إلى هذه الروح فى ظل التحديات التى تواجه بلادنا، لابد من تكوين جبهة وطنية مصرية متحدة قوامها الأساسى جيش مصر من ناحية، وقادة الفكر والعمل السياسى من ناحية أخرى، وهذا يستدعى بناء الثقة بين مكونات المجتمع، وهو يعنى أول ما يعنى وفى الجوهر والأساس أن يتعارف ممثلو جميع العناصر التكوينية للوطن والأمة على بعضهم بعضا، وأن يقبلوا أن أحداً منهم ليس صاحب الحقيقة المطلقة الواحدة ولا الحق الأوحد، ثم يرتقى الوطنيون إلى مستوى قرار ضرورة الإفادة من تجارب ومعطيات ورؤى الجميع.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة