محمد الدسوقى رشدى

أخطر رقم يهدد الدولة المصرية

الأربعاء، 12 أغسطس 2015 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تبدو المسألة سهلة ونحن نتداولها لفظيا، العلم هو المستقبل، لا دولة متقدمة وناهضة بدون بحث علمى، يقولها الوزير فى المؤتمرات الصحفية ويرددها الرئيس فى خطاباته وحواراته، ويكررها خبراء الاستوديوهات التليفزيونية، ويضعها الكتاب فى مقدمة مؤلفاتهم، ويطالب بها المواطن فى مظاهراته أو حينما يشكو سوء الحال.

نفعل كل سابق بسهولة، شعبا ودولة، ولكننا نتعثر تماما حينما تحين لحظة إحالة الكلام إلى خانة الأفعال، لا الدولة تهتم بالبحث العلمى، ولا الحكومة تخجل من اجتزاء مخصصاته المالية لصالح أمور أخرى، ولا المواطن يزرع فى نفوس أولاده قيمة العلم أفضل من الفهلوة، ولا ينصح بأن يلتحق بالكلية التى ستدر عليه مالا فوريا.

فى الاختبار نفشل كما فشلنا من سنوات عديدة، ندخل نحن الشعب برفقة الدولة فى امتحان البحث العلمى، ونخرج منه كل سنة وقد حصلنا على الكحكة الحمراء، فلا إجابات الدولة تشمل أى تطوير أو زيادة فى الميزانيات ولا إعلام الدولة قام بواجبه فى إعلاء قيمة العلم والعلماء، ولا إجابات الشعب تشتمل على أى تغيير فى التفكير الذى يعلى قيمة العلم فوق رغبة الكسب السريع، لا الدولة توفر للباحثين والعلماء أجواء نموذجية للعطاء والعمل، ولا الشعب يوفر لأبنائه ثقافة تحترم الباحث أو العالم كما تحترم الجيوب المكتنزة بالمال.

توالى فشلنا على مدى السنوات الطويلة الماضية وصل بنا إلى فوهة البركان، والبركان لا يرحم، والرحمة مطلوبة فى وطن يسعى لأن يخرج من نفق الماضى إلى رحاب المستقبل، والخروج من الأنفاق يحتاج إلى العلم، والعلم فى وطنى أصبح من المهملات، لدرجة أن 10 طلاب فقط من ضمن 110 آلاف طالب ضمن مرحلة التنسيق الأولى هم فقط من طلبوا الالتحاق بكليات العلوم.

هذه ليست أرقاما طريفة، هذه أرقام كارثية، تخبرك بأن الوطن الذى يردد فيه الكل مجتمعين عبارات حول أن البحث العلمى هو طوق النجاة يعزف أولاده وأبناؤه عن طريق العلم، يعرفون من أين يبدأ ويتخذون الاتجاه المضاد له، وتلك كارثة تستدعى من الدولة استنفارا أعلى من الطوارئ التى يتم إعلانها لمواجهة الإرهاب، فإرهاب الجهل وإهمال العلم هو من يولد إرهاب الفكر وكوارث الإهمال الوظيفى والطبى والزراعى والاقتصادى.

السابقون قالوا وجعلوا من قولهم حلقا معلقا فى الأذن: «من طلب العلا سهر الليالى»، واللاحقون قالوا «الدولة التى تريد تقدما عليها بالعلم والبحث العلمى»، والفراعنة كانوا فراعنة بالعلم وليس بالفهلوة، طوروا علوم الفيزياء والكيمياء والزراعة والفضاء، أما أحفادهم فقد أصبحوا فى ذيل العالم بالفهلوة لا العلم، طوروا أساليب الغش التجارى والفساد والاختلاس والرشوة وتسقيع الأراضى والواسطة وتوريث الوظائف وتزوير الشهادات العلمية.

الإنفاق على البحث العلمى يصل فى كل عام إلى أدنى مستوياته، وكل من يريد خفضا فى الميزانية، لا يستقطع سوى من الأجزاء المخصصة له، مثلما حدث مؤخرا فى وزارة الزراعة وخفضوا ميزانية البحوث بمركز البحوث الزراعية من 69 مليونا إلى 20 مليون جنيه، و ميزانية مركز بحوث الصحراء إلى 13 مليون جنيه بدلا من 32 مليون جنيه.

استقطاع هذه الأموال من ميزانية البحث لا يهدد فقط مستقبل الزراعة على المدى البعيد، ولا يجعلنا خاضعين لكل تطور تكنولوجى أو وراثى تتقدم فيه أوروبا أو إسرائيل بل يؤثر بشكل مباشر ولحظى على 15 مشروعا بحثيا لخدمة القطاع و 12 برنامجا بحثيا فى مركز بحوث الصحراء، ويهدد برامج مكافحة الأمراض الوبائية التابع لهيئة الخدمات البيطرية.

فى الماضى، كنا نسمع الوزراء متعاقبين وهم يتحدثون عن البحث العلمى وأهميته ونعرف أن كلامهم كما كلام الليل «مدهون بزبدة» لا من بعده تنفيذ ولا من بعده تصورات وخطط، كنا نعتمد على شغف الطالب العادى بالعلم، بقدرته على التحمل، بإرادته لخلق فرص أفضل فى مجال البحث العلمى بالداخل والخارج، الآن الطالب نفسه استسلم و10 فقط من بين 110 آلاف يطلبون العلم، وهنا تكمن الكارثة فى وطن يقول الآن إنه يخطط لمشاريع تكنولوجية على ضفاف القناة، ومشاريع زراعية فى مليون فدان، ويفكر فى إنشاء محطة نووية، فمن أين سيأتى بالباحثين والعلماء لتدوير تلك الأفكار وتنفيذها إن كان 10 فقط من بين ملايين يريدون العلم ويهتمون بالبحث العلمى؟

مهمة الدولة الآن لم تعد فقط الإنفاق على البحث العلمى أو رفع ميزانيته، بل هى مطالبة أيضا أن ترد للبحث العلمى والباحث والعالم كرامته، حتى يعود العلم لا الفهلوة جزءا من أحلام أولادها.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة