الغاضبون من قانون الخدمة المدنية الجديد، هم الذين استحلوا مال الدولة دون عمل حقيقى أو إنتاج فى جهاز الحكومة المترهل، الذى تحول طوال السنوات الماضية إلى أوكار للفساد الإدارى والمالى والفوضى والعشوائية وتدنى مستوى الخدمات، حتى أصبح نموذجا ومضربا للأمثال على البيروقراطية الفاسدة والروتين العفن، مال الدولة السايب دون رقابة أو متابعة أو إصلاح إدارى، شجع على السرقة بالطرق المشروعة عبر مسميات وظيفية فى مصر لا مثيل لها فى العالم للحصول على العلاوات والمكافآت والبدلات دون وجه حق ودون عائد إنتاجى.
لا يختلف أحد - إلا المزايدون والفوضويون - على أن الجهاز الحكومى فى مصر بعدد موظفيه الذى يتجاوز 6.5 مليون موظف يحتاج إلى نسف وثورة حقيقية للإصلاح الإدارى، وفقا لمعايير ومقاييس الكفاءة الوظيفية والجدارة والاستحقاق وليس وفقا لمنطق «الفهلوة» و«البلطجة الوظيفية» الذى ساد، ومازال سائدا، فى كل مؤسسة حكومية، لدينا جهاز حكومى يحتمى فيه أكبر عدد من الموظفين فى العالم مقارنة بعدد السكان، ومع ذلك فالإحصاءات الرسمية طوال السنوات الماضية تكشف مهزلة عائد الإنتاج والعمل للموظف الحكومى فى مصر الذى يتقاضى راتبا وحوافز وبدلات وعلاوات مقابل 15 دقيقة عمل فى اليوم..!!، علاوة على أن النظام الوظيفى الحالى - قبل تطبيق القانون الجديد - دفع بملايين الفاشلين والفاسدين والمحبطين إلى شرايين الجهاز الحكومى فى الدولة، وبأعداد لا عمل لها ولا وجود لها إلا لحظة قبض المرتبات والعلاوات والحوافز، فالمال سايب والحكومة عارفة، وأصبح لدينا فى كل مصلحة حكومية موظف واحد يقدم خدمة لـ13 مواطنا، فى حين أن فى الدول المتحضرة والمتقدمة موظف الحكومة لديها يخدم إلى ما بين 60 و100 مواطن.
هذا هو الحال الذى وصل إليه العمل الحكومى داخل جهاز الدولة من «ضرمخة واستهبال وإهدار علنى وواضح للمال العام»، والحكومة بالطبع طوال أكثر من 40 عاما مسؤولة مسؤولية كاملة وصريحة عن هذه الجريمة، التى أدت إلى تكوين تنظيم كبير داخل الجهاز الحكومى لأصحاب المصالح والمستفيدين والانتهازيين، وهم الغاضبون الآن من تطبيق قانون الخدمة المدنية.
وكما قال الدكتور أشرف العربى وزير التخطيط، فإن القانون هو ثورة إصلاح إدارى حقيقى لرفع كفاءة العاملين بالجهاز الإدارى ومحاربة الفساد الإدارى والمحسوبية والقضاء على فوضى وعشوائية الحوافز والمكافآت والعلاوات، وبالتالى فهو فى صالح الموظف المجتهد، صاحب الضمير الحى، الذى يؤمن بقيمة العمل، وهو ما نريده فى المرحلة الحالية، وليس الموظف «البلطجى الخامل»، فهو قانون لمن يحب العمل والاجتهاد والابتكار والإبداع. معلومة أخيرة أقولها لمن لم يقرأ القانون جيدا والمزايديين عليه وأصحاب المصالح، أن تطبيقه بالآليات المعلن عنها وبالمعايير الوظيفية الجديدة، سيوفر للدولة سنويا حوالى 15 مليار جنيه!!