لندع كلمات حسن طاطاناكى تعبر بنفسها عما وصل إليه حال الإخوان المسلمين «الخوارج» فى ليبيا، فيطرح سؤالًا لا بد من أن يطرحه الليبيون على أنفسهم، السؤال الذى يردّده الليبيون هو: لماذا لم يعمد مجلس النواب حتى الآن إلى إصدار مذكرات القبض على هؤلاء المجرمين؟، إننا لا نريد تبرير هذا التأخير، ولكن هذا المجلس- باعتباره هو الممثل الشرعى الوحيد للشعب الليبى- يشوب إجراءاته ومستويات أدائه بعض البطء، وعدم الحسم، لأنه تسلّم تركة ثقيلة من المؤتمر العام المنحل الذى حول البلاد إلى خراب بفعل تواطئه، وعدم وطنيته، ونظرته القاصرة لإدارة الدولة..
ماذا على الليبيين أن يفعوا إذن؟ وكيف يدعمون شرعية مجلس النواب؟، إن الأعمال العدوانية التى يقوم بها الخوارج والمرتزقة، ومن تواطأ معهم فى الداخل هى أعمال ذات صفة عسكرية، أى أنها ليست سياسية محضة، ويجب بالتالى مواجهتها بردود من جنسها وطبيعتها، فليبيا الآن دولة فى حالة طوارئ، ويجب أن يطبق فيها قانون الطوارئ، والخطوة الأولى الملحة التى يجب اتخاذها هى أن يقوم مجلس النواب بإعادة تنظيم الجهاز القضائى للدولة، وما يستتبعه ذلك من إجراءات جديدة تناسب حالة الطوارئ التى تعيشها البلاد، على أن يتم تفعيل المحاكم العسكرية من خلال وزارة الدفاع، وتحت إشراف مجلس النواب، للنظر على وجه السرعة فى القضايا الملحة، وإصدار الأحكام التى تناسبها، ويجب ألا يُفهم من ذلك العودة إلى المحاكم الاستثنائية أو اصطناع محكمة على غرار المحكمة الثورية السيئة الصيت، بل العودة إلى اللوائح المنظمة لعمل المحكمة العسكرية بشكل علنى، أى بقضاة ووكلاء نيابة ومحامين من الجيش الليبى، مع الاستعانة بقضاة ووكلاء نيابة ومحامين من القضاء المدنى، الأمر الذى سيحمى البلاد مستقبلاً من الدخول فى دوامة الثارات، وعمليات الانتقام، وتنفيذ الجزاءات التى ينص عليها العرف الاجتماعى..
إن أى مدنى انضمّ دون إكراه إلى أحد التشكيلات الإرهابية المسلحة، وأصبح جنديًا فى سراياها وكتائبها، قد أسقط عن نفسه تلقائيًا حقوقه المدنية، وإن أى مدنى تورط فى عمل مسلح مضاد، أو ساهم أو عاون الإرهابيين على تنفيذ أعمالهم الإجرامية، أو قام بتنفيذ أوامرهم- عن وعى ومعرفة مسبقة- يكون قد صنّف نفسه بنفسه على الطرف المعادى للشعب الليبى، وأصبح بذلك منقلبًا على الشرعية، وخائنًا للدولة الليبية، ويجب أن تتم محاكمته على الفور باستنفار جهاز القضاء المدنى والعسكرى الذى يجب أن يعمل فى هذه المرحلة كجهاز واحد من أجهزة الدولة الليبية، هذا هو المبدأ الذى يجب أن يتبناه الليبيون جميعًا، شعبًا ومجلسًا وجيشًا، وللتمهيد لإقرار هذا المبدأ يترتب على وزارة الدفاع أن تفعّل الآن المحكمة العسكرية التابعة لها، وأن تصدر بيانًا عامًا تحدد فيه جميع الجرائم التى تقع تحت طائلة لوائحها القانونية، سواء قام بها ونفذها على الأرض الليبية عسكريون أو مدنيون، من الليبيين أو من غيرهم..
إن دور الجيش الليبى ليس مقتصرًا فى هذه المرحلة على الجبهات العسكرية فى قتاله ضد فلول الإرهابيين والخوارج، بل يمتد إلى أكثر من ذلك، إنه يمتد إلى دعم عوامل الاستقرار، والمساهمة فى البناء، وحماية الشعب الذى التحم مع قواته المسلحة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتخليص بلاده من فلول الإرهابيين وأطيافهم، وتطهير البلاد من كل ما يعوق نهوضها واستقرارها وتقدمها..
إن جهود جميع الوطنيين يجب أن تنتقل من إنقاذ ما هو موجود فى ليبيا إلى ترميم وجود الليبيين أنفسهم، فما مرّ ببلادنا حتى الآن هو إحدى أكبر الكوارث التى شهدتها دول العالم فى العصر الحديث، وإذا ما نظرنا إلى حجم هذه الكارثة فسوف يصيبنا اليأس والإحباط، ومع ذلك- وفقًا لقاعدة لكل فعل رد فعل مساوٍ له فى الحجم ومضاد فى الاتجاه- فإننا على ثقة كبيرة بأن الليبيين بقدر ما كانوا أهلاً لتحمل الآلام وتكبّد المعاناة، فإنهم مقبلون على تأسيس مجتمعهم على أسس قويمة صلبة، وبناء دولة ديمقراطية لا مكان فيها للاستبداد أو الاستئثار أو الاحتكار أو الإقصاء.