"ودع هواك وانساه وإنسانى عمر اللى راح ما هيرجع تانى" ربما لا يعلم سلطان الطرب المطرب الكبير محمد عبد المطلب أن كلمات أغنية "ودع هواك" التى غناها وكان يعاتب من خلالها حبيبته أنها تنطبق عليه حيث إنه لم يستطع أحد ملء الفراغ الذى تركه عبد المطلب برحيله وأدرك جمهوره أنه "مش هيرجع تانى" ولكنه سيظل حاضرًا بيننا بأعماله الفنية الخالدة، وفى ذكرى رحيله الـ35 التى تحل علينا يوم الجمعة المقبل نرسل لسلطان الطرب محمد عبد المطلب باقة من الزهور نوعًا من التعبير عن الحب والتقدير له ولفنه الذى أمتعنا به ومازلنا نردد كلمات أغانيه حتى يومنا هذا، لم يكن محمد عبد المطلب موهبة غنائية عادية ولكنه كان يمتلك صوتًا مميزًا مختلف عن مطربى الزمن الجميل ومن قوة صوته أطلق البعض عليه "جحش الإذاعة".
ولد محمد عبد المطلب يوم 13 أغسطس عام 1910 فى قرية شبراخيت وكان ينتمى لأسرة فقيرة وكمثله من أولاد القرية أنضم إلى الكتاب ليتعلم القراءة والكتابة ويحفظ القرآن وفى الكتاب اكتشف شيخه صوته القوى فتولاه وثابر على تدريبه وتعليمه مخارج الحروف وذلك ليتمكن من قراءة القرآن ورغم أنه لم يكمل تعليمه فى الكتاب نظرًا لفقره الشديد إلا أنه تعلم ما يكفيه ليشق طريقه، وسرعان ما اكتشف محمد حبه الفطرى للموسيقى والغناء واكتشف صوته الجميل ذي الطبيعة المتميزة.
وبدأ يستمع عبر "الجرامافون" الذى يتواجد فى مقهى القرية إلى أسطوانات مشاهير مطربى تلك الفترة مثل عبد اللطيف البنا وعبد الحى حلمى وصالح عبد الحى، وبدأ عبد المطلب مشواره الفنى ككوراس مع الموسيقار داود حسنى حيث تعلم أصول الغناء والمقامات الشرقية، وانتقل عبد المطلب إلى القاهرة ليبحث عن فرصته وذلك فى شهر أكتوبر 1925 وكأمثاله من أبناء الريف المصرى أدهشته القاهرة بكبرها وزحمتها لدرجة أنه تاه فى حواريها وتعرض لحادث أثناء ركوبه الترام لأول مرة فأصيب بجرح فى رأسه وكاد أن يقرر العودة ولكن إصراره على النجاح جعله يتغلب على خوفه من المجهول، فاستأجر غرفة فى اللوكاندة العثمانية.
اشتد ضغط الحياة على عبد المطلب فاضطر إلى الذهاب لمكتب الموسيقار محمد عبد الوهاب للبحث عن فرصة وبالفعل ضمه إلى فرقته ككوراس سنيد ومن يستمع إلى أغانى محمد عبد الوهاب لما أنت ناوى، ومن عذبك، وليلة الوداع، لابد أن يميز صوت طلب العريض، وبعدها قرر "طلب" أن يغنى فى الصالات ووجد فرصته فى كازينو بديعة حيث غنى أغانى عبد الوهاب فبدأت الناس تعرفه وتستمع له، وفى كازينو بديعة عام 1933 كانت نقطة تحول فى حياة هذا العملاق حيث تعرف على المبدع محمود الشريف فكانت صداقة ورحلة عمر وإنتاج فنى عبقرى دام لعقود.
شد صوت محمد عبد المطلب انتباه العملاق محمود الشريف بصوته وطريقته المميزة فى أداء الموال الشعبى فقرر أن يلحن له واختار كلمات للشاعر الغنائى عثمان خليفة هى أغنية "بتسألينى بحبك ليه" وبعدها توالت الأعمال ومنها "ودع هواك وإنسانى" من كلمات محمد على أحمد و"اسأل مرة عليا" و"بياع الهوى راح فين" و"يلى سقيتنى الهوى" والكثير من الأغانى التى ستعيش أبدًا.
بعد أن تحسنت أحواله المعيشية قرر عبد المطلب الدخول فى مجال السينما فجرب الإنتاج السينمائى ولكنه فشل وخسر كل ما جمعه من أموال فى فيلم "الصيت ولا الغنى" فقرر اعتزال الفن نهائيًا ولكن محمود الشريف ظل يقنعه بالعودة للغناء إلى أن تم له ذلك وعاد عبد المطلب عن قرار الاعتزال وبعدها قدم مجموعة من أجمل الأغانى مع كبار الشعراء والملحنين منهم موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب والملحن الكبير كمال الطويل الذى تعاون معه فى أشهر ما غنى طلب وهى أغنية "الناس المغرمين".
والملحن الكبير رياض السنباطى قدم معه أغنية "شفت حبيبى"، وتعاون مع الفنان الراحل محمد فوزى فى أغنية "ساكن فى حى السيدة" التى تعتبر علامة فى تاريخ عبد المطلب، لم يقتصر عبد المطلب على الغناء الشعبى فقد غنى عشرات الأغانى المختلفة منها أغنيته الشهيرة "رمضان جانا" الذى لم تتوقف المحطات الإذاعية والقنوات التليفزيونية عن بثها فى رمضان من كل عام حتى يومنا هذا والحقيقة أن معظم الناس لا يشعرون بجمال رمضان وبحضوره إلا عندما يسمعون هذه الأغنية الجميلة وإلى جانب الغناء شارك "عبد المطلب" بالتمثيل فى عدد من الأفلام السينمائية منها فيلم "تاكسى حنطور" الذى غنى به أربع أغنيات، و"كدب فى كدب" و"كازينو اللطافة" وغيرها وفى يوم 21 أغسطس 1980 توفى الفنان محمد عبد المطلب تاركًا وراءه تراثًا ضخمًا من الأغانى والأفلام السينمائية لتكون مدرسة فى تاريخ الفن الأصيل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة