لم تشهد السنوات الماضية مسئولا واحدا سيطر عليه الغرور وأعطى ظهره للناس إلا وسقط من موقعه شر سقوط، وراح غير مأسوف عليه، وكثيرون من المسئولين أدركوا هذه الحقيقة فلم يغامروا بمعادة المواطنين ولا التكبر عليهم، ومن يراجع الفترة الماضية سيجد وزراء ومسئولين كبار تعاملوا بذكاء وحرص شديد مع مطالب الناس واعتراضاتهم، لكن يبدو أن الدكتور أشرف العربى وزير التخطيط من النوع "العندى" أو ما زال يعيش أوهاما قديمة ويتخيل أنه أقوى من المواطنين وأنه قادر على تحدى إرادتهم وتجاهل مطالبهم بغض النظر عن وجاهتها أو عدالتها.
قد يمتلك الوزير العربى خبرة وظيفية ومهارة فى ملف التخطيط الذى يتولاه منذ سنوات عمل خلالها مع واحدة من أمهر الوزراء وهى السفيرة فايزة أبو النجا، لكن الخبرة الوطيفية لا تغنى عن الخبرة السياسية التى تدل كل المؤشرات أن العربى يفتقدها تماما، بل ويثبت كل مرة أنه يحتاج مشوارا طويلا كى يكتسبها لتقيه شر العثرات الوزارية وتعبر به من مطبات العمل العام المحفوف دائما بالمخاطر، ولو كان عند الوزير قدر من تلك الخبرة لما تجاهل مظاهرات ووقفات الغضب ضد مشروعه للخدمة المدنية، الذى لا ينكر أحد أنه بذل فيه مجهودا محترما، لكن قلة الخبرة قد تفسد الطبخة .
وقلة خبرة العربى حولت ميزات المشروع إلى أزمة، وبدلا من أن يطمئن الموظفون على مستقبلهم تملكهم الرعب من مصيرهم فى ظل قانون العربى، كان الوزير الطامع فى منصب رئيس الوزراء يستطيع بقليل من الخبرة التى امتلكها أن يستوعب الغضب المتفشى فى دواوين الحكومة، كان يستطيع أن يجلس إليهم ويزيل هواجسهم ويقطع الطريق على من يصطادون فى الماء الحكومى المعكر بالشائعات والأذناب الإخوانية، لو امتلك الوزير الشجاعة لأقنع الموظفين بوجهة نظر الحكومة بدلا من الرد عليهم بالمؤتمرات، خاصة أن أغلب مخاوفهم قابلة للنقاش، سواء كانت مالية أو وظيفية، لكن الوزير اختار الطريق الآخر وفضل أن يتعامل كأستاذ جامعى فى مدرجات التسعينات من القرن الماضى، ومن أمامه طلبة لا حق لهم فى الاعتراض أو النقاش، نسى العربى أن هذا النهج الجامعى لم يعد له مكان لا فى المدرج ولا خارجه، وأن الأصل فى التعامل الحكومى الآن هو الحوار، قد يكون الوزير العربى بقلة خبرته يفضل العناد اعتمادا على رصيد الرئيس السيسى فى الشارع، لكن حتى هذا لم يعد يفيد فالرصيد الرئاسى لا يعنى الإصرار على تجاهل الناس، الرئيس نفسه يرفض هذا الأسلوب ويحض على التحلى بروح الحوار والاستماع للمواطنين وليس الصدام والعناد.
أظن أن الوزير العربى يحتاج بجانب مهارته الوظيفية وقدراته المهنية أن يتحلى ولو بقليل من الخبرة السياسية، وبعض من التواضع ومزيد من روح الحوار الذى يمكن أن يحل أزمات كثيرة ويفسد مؤامرات عديدة وينجيه من عقبات قد تعطل مسيرته التى يسعى إليها، على الوزير أن يعلم أن المناصب ولو كانت وزارية لم تعد تمنح سطوة ولا تعطى رهبة، لكن الذكاء فى التعامل والمرونة والحنكة والرؤية السياسية هى الطريق للنجاح خاصة لمن يريد أن يتقلد أرفع المناصب .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة