محمد الغيطى

قصة سعيد طرابيك.. ونظافة المصريين

الأربعاء، 19 أغسطس 2015 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا علاقة بين النظافة والفلوس، كذلك لا علاقة بين القذارة والفقر، لأن كليهما تربية وعقيدة وسلوك، وكم من قصور منيفة وسكانها أقذر من القذارة! وكم من فقراء يعيشون بالكاد فى عشش، لكنهم أطهار المخبر والمظهر!.. منذ أيام زارنى صديق مصرى مقيم بالخارج، وكان يركب «تاكسى» لمكان لقائنا، وبعد السلام والتحية سألنى: إيه اللى حصلكم، إنتو ماكنتوش كده؟، سألته: إحنا مين؟، قال: الناس ريحتها وحشة، أنا راكب تاكسى ريحته لا تطاق، والسواق نفسه ريحته وعرقه حاجة فظيعة اتمنيت أنزل فى نص السكة، هوه انتو ماعندكوش صابون وميه، مابتستحموش؟، استفزنى وقلت لنفسى إيه البنى آدم اللى جاى بعد سنين يشوفنى ويهزأ فينا ده، قلت مدافعًا: يا عم اهدأ وبلاش التعميم، والأحكام المطلقة دى، حالة فردية قابلتها ماتخلكش تحكم على الشعب كله، داحنا مافيش أكتر من الميه والصابون، بس هوه الحر.. اعتدل فى جلسته، وقال: بقولك إيه بلاش الشوفينية العبيطة دى، والمصريين أهمه، واحنا حضارة سبع تلاف سنة، والكلام اللى بتضحكوا بيه عالناس ده، م الآخر أنا مازرتش مصر من عشر سنين، وكنت بافضّل أقضى أجازتى فى أى جزيرة أمتع نفسى، وأنا جاى دلوقت سايح، وباقارن بين اللى بشوفه بره واللى شايفه هنا.

أنا من أول ما خرجت من المطار وبالعن اليوم اللى فكرت فيه أزور بلدى، إيه كم التسول ده؟ وإيه الخناقة عليّه من بتوع التاكسيات؟ وإيه الفوضى دى؟ وإيه الشوارع دى؟ وف الآخر أركب مع سواق ريحته معفنة، يا مستر أنا كنت فى بانكوك، مش هاقولك إسبانيا ولا باريس ولندن، وقبل ماركب التاكسى فى المطار فيه مفتش وقف السواق، وكشف على نظافته، وقاله ورينى ضوافرك، فاكر لما كانوا بيفتشوا على شعرنا وضوافرنا فى المدرسة، زى كده بالظبط، قولى همه لسه بيعملوا كده؟، خشيت أن أقول له إن التلاميذ بيثبتوا المدرسين بقرن الغزال، وبيضربوا ترامادول، واستافات الحشيش معاهم فى الفصول، ولكنى صرخت وقلت: يا أستاذ إنت راجع باصص لنا زى الخواجة ونسيت أصلك، البلد اللى بتتأوز عليها دى هيه اللى علمتك وسفرتك.. إلخ إلخ، ضحك ولم ينطق، فقلت له: الظاهر إن فيه أزمه ميه وصابون، عندك حق البلد عاوزه تنضف.

سعيد طرابيك وهشام سليم


وحديث النظافة يتعلق أيضًا بالرأى العام، وطرق التعبير وأساليبها وأخطر طرق التعبير الآن ما يحدث فى السوشيال ميديا ومواقع التواصل الاجتماعى، وكأنها مواسير مجارى وطفح صرف صحى.. إن ما يحدث من تعليقات فى هذا الميدان يذكرك بالمراحيض العمومية وربما أسوأ، زمان كنت تدخل مرحاض سكك حديد مصر فتجد على الجدران سبابًا وشتائم وفضائح وتجريسات ونكاتًا خارجة، كان ذلك قبل الفيس بوك وتويتر وغيرهما، الآن يبدو لى أن الناس نقلت كتابة وتعليقات المراحيض إلكترونيًا، وقد ظهر ذلك جليًا فى التعليق على زواج صديقى الفنان سعيد طرابيك، وأقول زواجًا وليس شيئًا آخر من فتاة تصغره سنًا، وفوجئت بطوفان من السخرية وقلة الأدب وصلت لحد الإفيهات الجنسية الحقيرة، والرجل خرج وزوجته فى الإعلام ليعلنا أنهما أحرار فى حياتهما، أما القصة الأخرى فهى خناقة ياسمين عبدالعزيز مع بنات الفنان المحترم ابن الناس هشام سليم، وردود هشام كما أعرفه من سنوات مهذبة لأنه نموذج فى الخلق والرقة والذوق العالى.. السادة مرتادو الفيس بوك تركوا القضية الأصيلة، واستهلكوا وقتهم للتعليق على ابنة هشام التى ترتدى ملابس أولاد وبشعر قصير وهات يا تعليقات.. فى القصتين نحن أمام أغلبية مريضة مختلة نفسيًا، تمارس كل أنواع الكبت والسادية والفصام بأنواعه على من يقع تحت الأضواء، ويكون حظه التعس أنه موضع شهرة، الفراغ والجهل وانعدام الوعى وادعاء الحفاظ على قشرة تقاليد واهية فى العلن حولت هؤلاء إلى قضاة وجلادين.

الذين انتقدوا سعيد طرابيك تمنوا أن يكونوا مثله، ولأنهم لم يستطيعوا هاجموه وسخروا منه، والذين تركوا أصل موضوع ابنه هشام وسخروا من ملابسها يعانون من عقد طفولة، أو نقص وفقدان للنضج الانفعالى، وأيضًا فقدان معايير الشخصية السوية.. نحن شعب طلع أروع ما فينا فى ثورتين، وبقية العام نعيش فى كذبة أننا أبناء حضارة.. إما أن ننظف أنفسنا بجد، أو نعلن أننا شعب لا مؤاخذة يحتاج «صابون وميه»، مش عيب الاعتراف بذلك، قبلنا شعوب عملتها، المهم مانكذبش على روحنا، ونصدق إننا أحسن شعب فى الدنيا، أما صديقى الذى كره بلده بسبب رائحة فم سائق التاكسى فقد خسرنا سائحًا مصريًا للأبد، وعليه العوض ومنه العوض.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة